أعرفنكم بعد الموعظة تزدادون جرأة فإنّي لا ازداد بعدها إلّا عقوبة ، وما مثلي ومثلكم ، إلا كما قال أبو قيس الأسلت (١) :
من يصل ناري بلا ذنب ولا ترة |
|
يصل بنار كريم غير غدّار |
أنا النذير لكم مني مجاهرة |
|
لي لا ألام على نهيي وأعذار |
فإن عصيتم مقالي اليوم فاعترفوا |
|
أن سوف تلقون خزيا ظاهر العار |
وصاحب الوتر ليس الدهر ومدركه |
|
عندي وإنّي لطلّاب لأوتار |
|
||
أقيم عوجته إن كان ذا عوج |
|
كما يقوم قدح النبعة الباري |
ثمّ بعد ذلك دخل عبد الملك إلى الكوفة ، وتمّت له البيعة فعيّن الولاة (الأمراء) وأعطى الهدايا لمن واعدهم بذلك وعيّن (قطن بن عبد الله الحارثي) (٢) أميرا على الكوفة ثمّ عزله ، وولّى مكانه اخاه (بشر بن مروان).
ثم صعد عبد الملك بن مروان منبر الكوفة فقال : (إنّ عبد الله بن الزبير لو كان خليفة كما يزعم لخرج فآسى بنفسه ، ولم يغرس ذنبه في الحرم) (٣). ثمّ قال : (إنّي قد استعملت عليكم بشر بن مروان وأمرته بالإحسان إلى أهل الطاعة ، والشدّة على أهل المعصية ، فاسمعوا له وأطيعوا) (٤). وعن عبد الملك ابن عمير بن سويد أنّه قال : (كنت عند عبد الملك بن مروان بقصر الإمارة ، حين جيء برأس مصعب بن الزبير فوضع بين يديه ، فرآني عبد الملك بوضع مرعب ، فقال لي : ماذا بك؟! فقلت : أعيذك بالله يا أمير المؤمنين ، فقد كنت بهذا القصر وبهذا المكان مع عبيد الله بن زياد فرأيت رأس الحسين ابن عليّ بن أبي طالب بين يديه ، ثمّ رأيت رأس عبيد الله بن زياد قد جيء
__________________
(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني ج ١٧ / ١٣١.
(٢) ولم تدم امرة قطن الحارثي على الكوفة سوى اربعين يوما (عرس واوية) كما يقول المثل العامي.
(٣) الحرم : بيت الله الحرام (الكعبة).
(٤) تاريخ الطبري ج ٦ / ١٦٤.