بأنعم الله ، فأتاها وعيد القرى من ربّها ، فاستوثقوا ، واعتدلوا ولا تميلوا ، واسمعوا وأطيعوا وشايعوا وبايعوا .. الخ). (١)
وقد اشتهر الحجّاج بكثرة خطبه بذم أهل العراق (٢) ، أكتفي بذكر خطبة قالها عند ما جيء برأس عبد الرحمن (٣) بن محمّد بن الأشعث ، فوضع بين يديه ، ثمّ صعد منبر الكوفة فقال : (يا أهل العراق ، إنّ الشيطان استبطنكم مخالط اللحم منكم والعظم والأطراف والأعضاء ، وجرى فيكم مجرى الدم ، وأفضى إلى الأضلاع والأمخاخ ، فحشا ما هنالك شقاقا ، واختلافا ، ونفاقا ، ثمّ أربع فيه فعشعش ، وباض فيه ففرخ ، واتخذتموه دليلا تتابعونه ، وقائدا تطاوعونه ، ومؤمرا تستأمرونه ، ألستم أصحابي بالأهواز؟
حين سعيتم بالغدر بي ، فاستجمعتم عليّ ، وحيث ظننتم أن الله سيخذل دينه وخلافته ، وأقسم بالله إنّي لأراكم بطرفي وأنتم تتسلّلون لواذا منهزمين ، سراعا مفترقين ، كلّ امرئ منكم على عنقه السيف رعبا وجبنا ، ثمّ (يوم الزاوية) (٤) وما يوم الزاوية ، بها كان فشلكم ، وبراءة الله منكم ، وتوليكم على أكتافكم السيوف هاربين ، ونكوص وليكم عنكم ، إذ وليتم كالأبل الشوارد إلى أوطانها ، لا يسأل الرجل عن بنيه ، ولا يلوي أمروء على أخيه ، حتّى عضتكم السلاح ، وقصفتكم الرماح ، ويوم (دير الجماجم) (٥) بها كانت الملاحم ، والمعارك العظام.
__________________
(١) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ٩.
(٢) أهل العراق : معناها الكوفة والبصرة ، ولكن الحجّاج يقصد بها الكوفة ، لأن الكوفة هي العراق.
(٣) عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث : هو أحد أمراء الكوفة ، وسوف نتكلم عنه في حينه.
(٤) يوم الزاوية : وهي إحدى المعارك الّتي خاضها الحجّاج مع عبد الرحمن بن محمّد الأشعث وقد قتل فيها الكثير من الطرفين.
(٥) دير الجماجم : وهي المعركة الثانية الّتي دارت رحاها بين الحجّاج وابن الأشعث ، انتصر فيها الحجّاج ، وهرب ابن الأشعث ، وقد قتل فيها الكثير من العلماء والفقهاء والقراء.