إنّ الرزّية لا رزية مثلها |
|
فقدان مثل محمّد ومحمّد |
ملكان قد خلت المنابر منهما |
|
أخذ الحمام عليهما بالمرصد |
فقال الحجّاج : لو زدتني يا فرزدق ، فقال الفرزدق :
إنّي لباك على ابني يوسف جزعا |
|
ومثل فقدهما للدّين يبكيني |
ما سدّ حي ولا ميّت مسدهما |
|
إلّا الخلائق من بعد النبيين |
فقال الحجّاج : ما فعلت شيئا ، إنّما زدت في حزني ، فقال الفرزدق :
لئن جزع الحجّاج ما من مصيبة |
|
تكون لمحزون أمض وأوجعا |
من المصطفى والمصطفى من خيارهم |
|
جناحيه لمّا فارقاه فودّعا |
أخ كان أغنى أيمن الأرض كله |
|
وأغنى ابنه أهل العراقين أجمعا |
جناحا عقاب فارقاه كلاهما |
|
ولو نزعا من غيره لتضعضعا |
فقال الحجّاج : الآن أرحتني.
وكان الحجّاج يتعصب للقومية العربيّة ، حتّى أنّه أمر بأن لا يدخل الكوفة إلّا عربيّ ، كما أنه أمر بإخراج (النبط) من مدينة واسط عند ما نزل فيها ، ويقال إنّ الحجّاج قد جعل (وسما) (١) على أيدي النبط ، وفي ذلك قال الشاعر : (٢)
لو كان حيّا له الحجّاج ما سلمت |
|
صحيحة يده من وسم حجّاج |
ولكل بداية ، لابدّ من نهاية ، والإنسان مهما طال به العمر ، فلا بد أن يموت ، والموت كما يقولون : (قاهر الرجال) فقد مرض الحجّاج ، وشعر بقرب أجله ، وأيقن أنّ الموت لابدّ منه فقال : أسندوني ، وأذن للناس فدخلوا عليه ، فذكر الموت وكربه ، واللحد ووحشته ، والدنيا وزوالها ، والآخرة
__________________
(١) وسما : الوسم : العلامة ، وتكون هذه العلامة ثابتة.
(٢) احمد امين ـ ضحى الاسلام ج ١ / ٢٤.