اللّاحقة ، فقد انغمس الخلفاء بالترف والملذّات ، وبناء القصور العالية ، وشراء الجواري والخصيان ، وإقامة حفلات الغناء.
أمّا (العمّال ، الولاة ، الأمراء) فلم يكونوا أقلّ شأنا من الخلفاء والوزراء في البذخ ، وتكديس الثروات ، فهذا عليّ بن أحمد الراضي أو (الراسبي) والي (نيسابور والسوس) فقد كان إيراده السنوي ألف ألف دينار ، وخلّف من آنية الفضة والذهب ما قيمته مائة ألف دينار ، وما ترك من الخيل والبغال ألف رأس ، ومن الملابس الفاخرة أكثر من ألف ثوب ، ومن السلاح ، والمتاع ، والدور ، والقصور ، لو وزعت على الشعب العبّاسي لسد حاجتهم ، وما خلّفه من الخدم والغلمان والخصيان لو غزا بهؤلاء مدينة لاحتلها (١).
وكان الخلفاء والوزراء يبيعون جباية الخراج ، وباقي الضرائب إلى أشخاص من مواليهم (على سبيل الالتزام) وكان هؤلاء يتعسفون بالناس ، ويأخذون منهم ، أضعاف أضعاف ما دفعوا.
وأما العلماء والمفكّرون ، فقد كانوا في عوز وفاقة ، فلم يمدوا أيديهم إلى خليفة ، أو وزير ، أو أمير ، حتّى اضطرّ أحدهم إلى بيع كتبه ، ليشتري بثمنها خبزا لعياله ، وفي ذلك قال (٢) :
أنست بها عشرين حولا وبعتها |
|
فقد طال وجدي بعدها وحنيني |
وما كان ظنّي أنّني سأبيعها |
|
ولو خلدتني في السجون ديوني |
ولكن لجوع ، وافتقار وصبية |
|
صغار عليهم تستهلّ جفوني |
ثمّ تدهور الحال بالخلفاء ، وأصبحوا ألعوبة بيد أمراء الجيش وقادته ، يعزلون من يشاءون ، وينصبون من يشاءون ومتى يشاءون ، بل أدّت الحال
__________________
(١) جورج جرداق ـ الإمام عليّ / صوت العدالة الإنسانيّة ، ص ١٩١.
(٢) المصدر السابق ص ١٩٣.