للناس وتترك اللهو ، فقد أقتدى (١) بك عمالك في سائر أفعالك وسيرتك) (٢).
فترك حبابة وأظهر الندم. ولمّا سمعت (حبابة) بذلك ارسلت إلى يزيد بن عبد الملك لزيارتها ، فلمّا دخل عليها قالت له : يا أمير المؤمنين ، اسمع منّي صوتا واحدا ، ثمّ افعل ما بدا لك ، فغنته قائلة :
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا |
|
فقد غلب المحزون أن يتجلدا |
إذا كنت لم تعشق ولم تدري ما الهوى |
|
فكن حجرا من يابس الصلد جلمدا |
فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي |
|
وإن لام فيه ذوو الشنآن وفندا |
فأخذ يزيد يردد ما غنت (حبابة) وعاد إلى لهوه وشربه. ومرضت (حبابة) فلازمها يزيد صباح مساء حتّى ماتت وبقي أياما إلى جانبها (لم يدفنها) حزنا وجزعا عليها إلى ان خرجت جيفتها ، عند ذلك دفنها وجلس عند قبرها ، فدنا منه أخوه مسلمة ، وأخذ يعزيه ويؤنسه ، فقال له يزيد : قاتل الله ابن أبي جمعة ، كأنّه يرى ما نحن فيه حيث قال (٣) :
فان تسل عنك النفس أو تدع الهوى |
|
فباليأس تسلوا النفس لا بالتجلدا |
وكلّ خليل زارني فهو قائل |
|
من أجلك : هذا ميّت اليوم أو غدا |
وبعد أيّام على دفن (حبابة) مات يزيد بن عبد الملك وقيل أصيب بمرض الطاعون.
وكان مسلمة ، اذا تجمعّ عنده أصحاب الحوائج ، وخاف الضجر منهم ، أمر أن يحضر ندماؤه من أهل الأدب ، فيتحدثون عن مكارم الناس ، وجميل طرائفهم ومروءاتهم ، فيطرب مسلمة ويهيج ثمّ يقول : أدخلوا أصحاب
__________________
(١) (الناس على دين ملوكها) حسب المثل المشهور.
(٢) المسعودي ـ مروج الذهب ـ ج ٣ / ١٩٦.
(٣) المصدر السابق. ج ٣ / ١٩٨.