تنتقل بأهلها انتقالا ، وتعقبهم بعد حال حالا ، كنا ملوك هذا المصر ، يجبى إلينا خراجه ، ويطيعنا أهله ، مدى المدّة وزمان الدولة ، فلمّا أدبر الأمر وانقضى ، صاح بنا صائح الدهر ، فصدع عصانا ، وشتّت شملنا ، وكذلك الدهر يا سعد ، إنّه ليس يأتي قوما بمسرّة ، إلّا ويعقبهم بحسرة ، ثمّ أنشأت تقول (١) :
فينا نسوس الناس والأمر أمرنا |
|
إذا نحن فيهم سوقة ليس نعرف |
فأوف لدنيا لا يدوم نعيمها |
|
تقلب ثارات بنا وتصرف |
فقال سعد : قاتل الله عدي بن زيد كان ينظر إليها حيث يقول :
إنّ للدهر صولة فاحذرنها |
|
لا تبيتن قد أمنت الدهورا |
قد يبيت الفتى معافى نعيمها |
|
ولقد كان آمنا مسرورا |
وبينما هي واقفة أمام سعد ، إذ دخل عمرو بن معد بن يكرب الزبيدي وكان كثير الزيارة لأبيها في الجاهلية ، فلمّا رآها ، قال لها بدهشة : أنت حرقة؟ قالت : نعم.
فقال لها عمرو : (فما دهمك فأذهبت محمودات شيمك؟ وأين تتابع نعمتك وسطوات نقمتك؟).
فقالت حرقة : (يا عمرو ، إنّ للدهر لسطوات وعثرات ، وعبرات تعثر بالملوك وأبنائهم ، فتنزلهم بعد رفعة ، وتفردهم بعد منعه ، وتذلّهم بعد عزّة ، إنّ هذا لأمر كنّا ننتظره ، فلمّا حلّ بنا لم ننكره) (٢). فأكرمها سعد ، وأحسن عطائها ، ولمّا خرجت سألتها النسوة : ماذا أعطاك الأمير؟ فقالت (٣) :
حاط لي ذمتي ، وأكرم وجهي |
|
إنّما يكرم الكريم الكريم |
وسمع الخليفة عمر بأنّ سعدا قد بنى دارا له بالكوفة ، يسمّيها الناس
__________________
(١) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٧٩ وعبد القادر البغدادي ـ خزانة الأدب. ج ٧ / ٦٨.
(٢) المصدر الاوّل السابق. ج ٢ / ٨٠.
(٣) عبد القادر البغدادي ـ خزانة الأدب. ج ٧ / ٦٨ والترمانيني ـ أحداث التاريخ الإسلامي. ج ١ / ٥٤٩.