وجلس خالد القسريّ يوما مع أصحابه وخواصّه وطلب منهم أن يحدثوه عن الحبّ أحاديث لا فحش فيها ، فقال أبو حمزة اليماني : كان فتى من العرب يسمّى (مالك بن نصر) وكانت له ابنة عمّ يحبّها وتحبّه يقال لها (الرباب) وكانت جميلة وذات عقل وكمال ، فبينما هما ذات يوم يتناجيان أخذ مالك يبكي ، فسألته (الرباب) عن سبب بكائه فقال لها : أخاف أن أموت وتتزوجين بعدي فتعاهدا سوية على أن لا يتزوج أيّ منهما إذا مات مدى الحياة ، ثمّ خرج مالك مع قتيبة بن مسلم الباهلي إلى خراسان ، وفي إحدى المعارك طعن برمح فسقط عن فرسه وهو يقول : (١)
ألا ليت شعري من غزال تركته |
|
إذا ما أتاه مصرعي كيف يصنع؟ |
أيلبس أثواب السواد تسليّا |
|
على مالك أم فيه للبعل (٢) مطمع؟ |
فلو أنّني كنت المؤخّر بعده |
|
لما لبثت نفسي عليه تقطع |
ثمّ مات مالك من أثر طعنته تلك وحزنت عليه الرباب حزنا شديدا كاد أن يؤدي بحياتها ، وكانت لا تهدأ من النوح والبكاء عليه ، فرّق لها أهلها وعزّ أمرها فزوجوها ظنّا منهم أن يكون في ذلك سببا لسعادتها ، ولمّا كانت الليلة الّتي ستزفّ بها الرباب إلى عريسها نامت هنيئة فرأت في منامها مالكا وهو واقف أمام الباب وهو يقول : (٣)
حييت ساكن هذا الدار كلّهم |
|
إلّا الرباب فإنّي لا أحييها |
استبدلت بدلا غيري وقد علمت |
|
أنّ القبور تواري من ثوى فيها |
فاستيقضت الرباب مذعورة وقصّت على أمّها ما رأته فهدئتها أمّها ،
__________________
(١) سعيد الكرمي ـ قول على قول. ج ٥ / ٢٧٥.
(٢) البعل : الزوج.
(٣) سعيد الكرمي ـ قول على قول. ج ٥ / ٢٧٥.