السفّاح في الصلح بينهما ، فلمّا ذهبا لم يعملا أيّ شيء ، ثمّ جرت المفاوضات بين أبي جعفر المنصور وبين ابن هبيرة ، فتمّ الصلح بينهما (١) (كما ذكرنا سابقا).
وفي سنة (١٣٣) للهجرة ، ثار شريك بن شيخ الفهريّ أو (المهريّ) في بخارى على أبي مسلم الخراساني قائلا له : (ما على هذا اتّبعنا آل محمّد ، على أن تسفك الدماء ، وتعمل بغير الحقّ) فتبعه أكثر من ثلاثين ألف مقاتل ، فأرسل أبو مسلم الخراساني إليه زياد بن صالح فقتله.
وعن زياد الحارثي أنّه قال : ذهبت إلى مروان بن محمّد ، ومعي جماعة ليس فيهم يماني غيري ، ولمّا وصلنا إلى باب قصره ، أرسلونا إلى ابن هبيرة (وكان رئيس شرطته) فأخذ كلّ واحد منّا يخطب ويطيل المديح والإطراء بالخليفة ، وابن هبيرة ، ثمّ أخذ ابن هبيرة يسألنا واحد بعد واحد عن أحسابنا وأنسابنا ، فكرهت أن أتكلّم وتأخّرت عن جماعتي ، ظنا منّي بأنّ ابن هبيرة سوف يأخذه الملل من كثرة السؤال ، وأخيرا جاء دوري ، فقال لي : من أنت؟ فقلت له : من أهل اليمن. فقال من أيّها؟ فقلت من مذحج.
فقال ابن هبيرة : إنّك لتطمع في نفسك : اختصر. فقلت من بني الحارث بن كعب. (٢)
فقال ابن هبيرة : إنّ الناس يقولون : إنّ أبا اليمن كان قردا ، فما ذا تقول؟
فقلت له : أصلحك الله ، إنّ الحجّة في هذا لسهلة يسيرة ، فقال : وما هي حجّتك؟ فقلت : ننظر إلى القرد ، بماذا يكنّى؟ فإن كان يكنّى أبا اليمن ، فهو أبوهم ، وإن كان يكنّى أبا قيس ، فهو أبو من كنّي به. ثمّ قام ابن هبيرة ودخل على الخليفة (مروان بن محمّد) ثمّ خرج ونادى : الحارثي.
__________________
(١) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٤٥٤.
(٢) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ٩ / ٧٠.