ولد المنصور بالحميمة (١) في السابع من شهر ذي الحجّة من سنة (٩٥) (٢) للهجرة ، وبويع بالخلافة في اليوم الّذي مات فيه أخوه أبو العبّاس السفّاح ، وذلك في اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجّة من سنة (١٣٦) (٣) للهجرة. وقد بويع السفّاح قبل المنصور مع أنّ المنصور كان أكبر سنا من السفّاح ، وذلك لأنّ أمّ السفّاح كانت عربية ، وأمّ (٤) المنصور كانت غير عربية (٥) ، (وكان الأمويون لا يعيّنون خليفة من كانت أمّه غير عربية).
وكان المنصور أعظم خليفة في آل بني العبّاس ، شدة وثباتا ويقظة وبأسا ، فقد قال فيه يزيد بن عمر بن هبيرة : (ما رأيت رجلا قط في حرب ، ولا سمعت به في سلم ، أنكر ولا أمكر ، ولا أشدّ تيقظا من المنصور ، لقد حاصرني تسعة أشهر ومعي فرسان العرب ، فجهدنا كلّ الجهد ، أن ننال من عسكره شيئا فما تهيّأ ، ولقد حاصرني ، وما في رأسي شعرة بيضاء ، فخرجت إليه وما في رأسي شعرة سوداء) (٦).
وكان المنصور شديد الحرص على موارد الدولة ، بحيث كان يحاسب (عماله) على الدينق (الدانق) (٧) الواحد ، حتّى امتلأت خزائنه بالأموال وفاضت ، بحيث لم يفكر بجمعها من جاء بعده (٨).
وفي سنة (١٤٥) للهجرة بنى مدينة بغداد (ليكون بعيدا عن الكوفة)
__________________
(١) الحميمة : قرية في الأردن. كان الوليد بن عبد الملك قد غضب على (عليّ بن عبد الله بن عبّاس) فنفاه وأهل بيته اليها سنة (٩٥) ه. السيد أحمد الهاشمي ـ جواهر الأدب. ج ٢ / ٥٠٩.
(٢) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٥ / ١١٣.
(٣) حسن إبراهيم حسن ـ تاريخ الإسلام. ج ٢ / ٢٣.
(٤) أم المنصور : أسمها سلامة ، وهي بربرية.
(٥) حسن إبراهيم حسن ـ تاريخ الإسلام. ج ٢ / ٢٣.
(٦) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٧٧.
(٧) الدانق : عملة ، قيمتها أقل من درهم وتساوي الدرهم.
(٨) محمّد الخضري بك ـ محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية. ج ١ / ٨٤.