من الذين ينشدون أشعار الأقدمين ، ويحفظ عنهم روايات كثيرة ، فقال له جعفر : آتنا به لنراه ، فذهب مطيع إلى حماد (فرحا) وأخبره بأن الأمير جعفر قد طلبه لسماع ما عنده من أشعار ، فقال له حماد : (دعني يا أخي ، فإنّ دولتي كانت مع بني أميّة ، ومالي عند هؤلاء خير). فألح عليه مطيع حتّى وافق.
فذهب حماد الراوية ، واستعار سوادا ، وسيفا ، ثمّ ذهبا سوية إلى جعفر ، فلما دخل عليه حماد ، فسلّم عليه ، ثمّ أمره جعفر بالجلوس ، فجلس. فقال جعفر : يا حماد أنشدني. فقال حماد : لمن أيّها الأمير؟ ألشاعر معيّن؟ أو بدون تعيين؟ فقال جعفر : بل أنشدني لجرير. فقال حماد (١) :
بان الخليط برامتين (٢) فودعوا |
|
أو كلّما اعتزموا لبين تجزع |
إلى أن وصل إلى قول جرير :
وتقول بوزع قد دببت على العصا |
|
هلا هزئت بغيرنا يا بوزع |
فسأله جعفر : (ما معنى بوزع)؟ فقال له حماد : إنّه اسم امرأة. فقال له جعفر : (امرأة أسمها بوزع)؟ هو بريء من الله ورسوله ، ونفى من العبّاس بن عبد المطلب ، إن كانت بوزع ، إلّا غولا من الغيلان ، تركتني والله يا هذا لا أنام هذه الليلة من فزع بوزع ، يا غلمان عليكم بالعصى ، فضربوه بالعصي على ظهره ، حتّى أغمي عليه ، ثمّ جرّوه من رجله وأخرجوه ، وقد تمزق السواد وانكسر السيف. ثمّ ذهب إليه مطيع يواسيه لما حلّ به ، فقال له حمّاد : ألم أخبرك بأنّي لا أصيب منهم خيرا ، وأنّ حضي قد مضى مع بني أميّة.
وحجّ بالناس جعفر سنة (١٤٨) (٣) للهجرة.
مات جعفر بن أبي جعفر المنصور سنة (١٨٦) للهجرة ، عند هرثمة بن
__________________
(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٧ / ٨٢.
(٢) رامه : أسم مكان على طريق البصرة ـ مكة ، وقيل : هي هضبة أو جبل لبني دارم.
(٣) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٢٧٥ والذهبي ـ أحداث التاريخ الإسلامي. ج ١٢ / ١٩.