وخرج أبو عيسى ذات يوم إلى بستان له ليلهو ، ومعه عبد الله (١) بن العبّاس ومحمّد بن الحارث وجماعة آخرين ، وبعد أن شربوا ، وغنّوا جاءت (عساليج) (٢) وبيدها عود ، فغنّت لهم فطربوا ، وأخذ عبد الله بن العبّاس يطيل النظر إليها ، ويثني عليها بعبارات الاستحسان والإعجاب ، فنظر إليه أبو عيسى ، وقال له : أعشقتها يا عبد الله؟
فقال : لا ، ولكنّني تعجبت من جميل صورتها ، وحسن أخلاقها ، ورجاحة عقلها. ولمّا أكثروا من الشراب ، غلب النبيذ على عبد الله فأخذ يغني :
نطق السّكر بسري فبدا |
|
كم يرى المكتوم يخفي لا يضح |
سحر عينيك إذا ما رنتا |
|
لم يدع ذا صبوة أو يفتضح |
ملكت قلبا فأمسى غلقا |
|
عندها صبّا بها لم يسترح |
بجمال وغناء حسن |
|
جلّ عن أن ينتقيه المقترح |
أورث القلب هموما ولقد |
|
كنت مسرورا بمرآه فرح |
ولكم مغتبق همّا وقد |
|
بكر اللهو بكور المصطبح |
فالتفت إليه أبو عيسى وقال : فعلتها والله يا عبد الله ، أتنكر عليّ يا عبد الله حبّك لعساليج؟ وقد فضحك السّكر؟ ثمّ قال له : (والله لو كانت لي لوهبتها لك ، ولكنّها لآل يحيى بن معاذ ، والله لو باعوها لاشتريتها لك ، ولو بكل ما أملك) (٣).
وعشق (التيمي) (٤) جارية لبعض النخاسين ، فذهب إلى أبي عيسى
__________________
(١) عبد الله بن العبّاس : بن الفضل بن الربيع ، شاعر ومغني.
(٢) عساليج : وهي إحدى المغنيات الشهيرات في العصر العباسي.
(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٩ / ٢٣٩.
(٤) التيمي : هو عبد الله بن أيّوب ، كوفي الأصل ، من شعراء الدولة العباسيّة.