الحائك ، يا عاضّ .. أبيه ، فو الله ، إنّي كنت لأرى بعدك عن هذا الأمر ، الّذي لم يجعلك الله له أهلا ، ولا جعل لك فيه نصيبا ، سيمنعك من ردّ أمري ، والافتراء عليّ ، وقد بعثت إليك ابن عبّاس (١) وابن أبي بكر (٢) ، فخلهما والمصر وأهله ، واعتزل عملنا ، مذموما مدحورا ، فإن فعلت ، وإلّا فإنّي قد أمرتهما أن ينابذاك على سواء ، إنّ الله لا يهدي كيد الخائنين ، فإذا ظهرا عليك قطّعاك إربا إربا ، والسلام على من شكر النعمة ، ووفي بالبيعة ، وعمل برجاء العاقبة) (٣).
ثمّ أمر الإمام عليّ عليهالسلام مالك الأشتر ، أن يذهب إلى الكوفة ، ويقيل أبا موسى الأشعري ، فذهب الأشتر إلى الكوفة ، ودخل (قصر الإمارة) وطرد منه الأشعري ، فأخذ الناس ينهبون متاع الأشعري ، فنهاهم الأشتر ومنعهم ، وقال لهم : (إنّي قد أخرجته وعزلته عنكم) ، عندها تركه الناس.
وتمرّ الأيّام سراعا ، ويذهب الإمام عليّ عليهالسلام إلى" صفّين" لمحاربة معاوية بن أبي سفيان وتستمرّ الحرب سجالا بين الطرفين ، فقتل فيها الكثير من الصحابة الأجلّاء ، ومن حفظة القرآن الكريم ، حتّى قيل إنّ عدد القتلى بين الطرفين بلغ سبعون ألفا ، خمسة وأربعون ألفا من الشام ، وخمسة وعشرون ألفا من أهل العراق ، وقيل إنّ عدد القتلى بلغ مائة وعشرة آلالف (خلال مدة مائة وعشرة أيّام) قتل من أهل الشام تسعون ألفا ، ومن أهل العراق عشرون الفا (٤).
وحينما رأى معاوية ، أن جيشه قد ضعف عن القتال ، وأنّ الهزيمة آتية
__________________
(١) ابن عبّاس : هو عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب ، وهو ابن عمّ الإمام علي عليهالسلام.
(٢) ابن أبي بكر : هو محمّد بن أبي بكر أخو عائشة" أم المؤمنين"
(٣) ابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ١٤ / ١٠.
(٤) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٣٩٣.