المخلوقين منعك منه ، ولا أن يحول بينك وبين ما تهواه في أي وقت أردت.
واعلم أن الغيظ والغضب ، يحدثان في الإنسان سكرا ، أشد من سكر النبيذ بكثير ، فكما أن الإنسان يعمل في وقت السكر من النبيذ ، ما لا يليق به ، ولا يذكره إذا صحا ، ويندم عليه إذا حدّث به ، ويستحي منه ، كذلك يحدث في وقت السكر من الغيظ ، بل أشد ، فإذا ابتدأ بك الغضب ، فضع في نفسك أن تؤخر العقوبة إلى غد ، واثقا بأن ما تريد أن تعمله في الوقت لا يفوتك عمله ، فإنك إذا بت ليلتك ، سكنت ثورة غضبك ، وقد قيل (أصح ما يكون الإنسان رأيا إذا استدبر ليله ، واستقبل نهاره) ، فإذا صحوت من سكرك ، فتأمل الأمر الّذي أغضبك ، وقدّم أمر الله عزوجل أولا ، والخوف منه ، وترك التعرض لسخطه واشفي غيضك بما لا يؤثمك ، فقد قيل : (ما يشفي غضبه من أثمّ) واذكر قدرة الله عليك ، فإنك تحتاج إلى رحمته ، والى أخذه بيدك ، في أوقات شدائدك ، فكما تحبّ أن يغفر لك ، فكذلك غيرك يؤمل عفوك ، وفكّر بأيّة ليلة بات المذنب قلقا لخوفه منك ، وما يتوقعه من عقوبتك ، واعرف مقدار ما يصل إليه من السرور بزوال الرعب عنه ، ومقدار الثواب الّذي يحصل لك بذلك ، واذكر قوله تعالى : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) ، وإنّما يستدل ذلك عليك مرتين أو ثلاثا ، ثمّ تصير عادة لك وخلقا فيسهل) (١). فعمل بجكم بما قال له سنان. وقيل : خرج بجكم يوما للصيد ، فشاهد جماعة من الأكراد ، فذهب إليهم فهربوا منه ، وتركوا أموالهم ، فجاءه غلام منهم فطعنه بالرمح من الخلف وذلك في الثالث والعشرين من شهر رجب من سنة (٣٢٩) للهجرة ، فمات من يومه (٢).
وقيل : ذهب الخليفة (المتقي لله) إلى دار بجكم ، فوجد فيها ما يزيد على
__________________
(١) القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٧ / ٢٤٩.
(٢) الهمذاني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٣٢٣ والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٢٤ / ٦٤.