ينشدون في مجلسه ، فهذا ينشد من شعره ، وذاك يقرأ شعر غيره ، والحطيئة (١) جالس مطرق برأسه لا يتكلّم ، وأخيرا تكلّم الحطيئة فقال : (والله ما أصبتم جيد الشعر ، ولا شاعر الشعراء). فقال له سعيد : ومن هو أشعر العرب يا هذا؟ فقال الّذي يقول (٢) :
لا أعدّ الإقتار عدوا ولكن |
|
فقد من قد رزئته الإعدام |
من رجال من الأقارب باتوا |
|
من جذام هم الرؤوس الكرام |
سلط الموت والمنون عليهم |
|
فلهم في صدى المقابر هام |
وكذاكم سبيل كلّ أناس |
|
سوف حقا تبليهم الأيّام |
فقال سعيد : ويحك ، من أنت؟!! قال : الحطيئة. فقال سعيد : لعمر الله ، لأنت عندي أشعر منهم فأنشدني ، فقال الحطيئة (٣) :
سعيد وما يفعل سعيد فإنّه |
|
نجيب ، فلاه في الرباط نجيب |
سعيد فلا يغررك قلّة لحمه |
|
تخدّر عنه اللحم فهو صليب |
إذا غاب عنّا غاب عنا ربيعنا |
|
ونسقى الغمام الغرّ حين يؤوب |
فنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره |
|
إذا الريح هبّت والمكان جديب |
فأعطاه سعيد عشرة آلاف درهم.
ودخل الفرزدق يوما على سعيد بن العاص ، وكان عنده الحطيئة فقال (٤) :
إليك فررت منك ومن زياد |
|
ولم أحسب دمي لكما حلالا |
فإن يكن الهجاء حلّ قتلي |
|
فقد قلنا لشاعركم وقالا |
نرى الغرّ الجماجم من قريش |
|
إذا ما الأمر في الحدثان عالا |
__________________
(١) الحطيئة : واسمه : جرول بن أوس ، شاعر ، هجاء ، غني عن التعريف.
(٢) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٦ / ٣٩.
(٣) نفس المصدر السابق.
(٤) الشريف المرتضى : غرر الفوائد ودرر القلائد. ج ١ / ٢٩٧.