وعليه أن يستدني أهل الفضل والدّين والنصيحة من المسلمين و [س ٣٨] يقرّب من أهل الثغور وشبههم أهل البصائر والممارسة للحرب والمعرفة بالجهات والطّرق والأرض التي يقصدها ، ويحسن إليهم ويطيّب نفوسهم ، ويعدهم بالثّواب على الصّدق في كل حال ، ليأمن في ذلك من كذب المخبر وغشّ النّصيح ، فإنّه لا رأي لكذوب ولا ثقة بمغلوب ولا نصح لموتور ، ولا حرمة لمهجور.
ويستخبر أهل السّير في السّير ، فما خاف أن يوقع وهنا في عسكره كتمه وينظر في التخلّص منه ، وما كان تقوية لقلوب قومه ، وبشارة بمأموله أذاعه وأفشاه ونشط ما استطاع وبشّر النفوس بما يشعر به من الظّفر ويخيّل من أسباب النصر ، ويقلّل العدوّ في أعين المسلمين ليكونوا أجرأ عليهم وأنشط في قتالهم ، قال الله تعالى : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ)(١) ويكون ذلك بسياسة وتحذير من المكائد وتخويف من الخذلان لئلا يغتّر الناس باحتقار العدوّ [فيقع التواكل من بعض الجيش على بعض ، فيجد العدوّ فيهم فرصة ولو كان قليلا](٢).
نعوذ بالله من الخذلان ، فإنّ قلب الإنسان إذا دخله الخوف شغله الحذر ، وإذا اتّسع له الأمن استلبته الغرّة (٣).
وعليه أن يعد أهل البصيرة والبلاء بثواب الله إن كانوا من أهل الآخرة ، وبالجزاء والنّفل إن كانوا من أهل الدّنيا ، وثواب الآخرة الجنّة
__________________
(١) سورة الأنفال ٨ : ٤٢.
(٢) ما بين المعقوفتين ساقط من م.
(٣) في س : العزة.