وروي أنه كان إذا دخل أرض الرّوم لا يضحك ، فقيل له : يا أبا الحسن ، ما نراك تضحك؟ فقال : إنما نغزوا غضبا لله والغضبان لا يضحك.
وفي غزوة القادسية حضرت الخنساء بنت عمرو بن الشّريد (١) معها بنوها ، أربعة رجال ، فقالت لهم من أوّل الليل : يا بنيّ إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ، والله الذي لا إله إلا هو ، إنّكم لبنو رجل واحد كما أنّكم بنو امرأة واحدة ، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ، ولا هجّنت حسبكم ولا غيّرت نسبكم ، وقد تعلمون ما أعدّ الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين ، واعلموا أنّ الدار الباقية خير من الدار الفانية ، والله عزوجل يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٢) فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله فاغدوا إلى قتال عدوّكم مستبصرين وعلى أعداء الله تعالى مستنصرين ، فإذا رأيتم الحرب قد شمّرت عن ساقها ، واضطرمت لظى على سياقها ، وجللت نارا على أرواقها ، فتيمموا على وطيسها وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها ، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة ، فخرج بنوها قابلين لنصحها عازمين على قبولها ، فلمّا كان الصبح باكروا مراكزهم وقال أوّلهم :
__________________
(١) الخنساء ت ٢٤ ه ـ ٦٤٥ م : تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد الرياحية السلمية ، من بني سليم من قيس عيلان من مضر ، أشهر شواعر الحرب ، من أهل نجد ، عاشت أكثر عمرها في العصر الجاهلي وأدركت الإسلام فأسلمت ووفدت على رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) مع قومها من بني سليم. وكان رسول الله يستنشدها شعرها ويعجبه ، وكان لها أربعة بنين استشهدوا في حرب القادسية سنة ١٦ ه. الإصابة ٨ : ٣٤ برقم : ٢٠٠ والأعلام ٢ : ٨٦.
(٢) سورة آل عمران ٣ : ٢٠٠