نفسه فله ذلك. وقد قيل : إنّ الجدّ للأب أو للأم كالأب ، وليس كذلك عندنا ، وقد تنازع الناس في الأب فكيف غيره (١).
وأتى أبو عبيدة برأس أبيه إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقد نزلت (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)(٢).
__________________
(١) قال محمد بن الحسن في السير الكبير : ولا بأس بأن يقتل الرجل من المسلمين كل ذي رحم محرم منه من المشركين يبتدىء به إلا الوالد خاصة ، فإنه يكره له أن يبتدىء والده بذلك ، وكذلك جده من قبل أبيه أو من قبل أمه وإن بعد إلا أن يضطره إلى ذلك.
قال السرخسي : لقوله تعالى : (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) (لقمان ٣١ / ١٥) فالمراد الأبوان إذا كانا مشركين بدليل قوله تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ) (لقمان ٣١ / ١٥) وليس من المصاحبة بالمعروف البداية بالقتل ، وأما إذا اضطره إلى ذلك فهو يدفع عن نفسه ، وهو مأمور بالبداية بنفسه في الإحسان إليها ودفع شر القتل عنها أبلغ جهات الإحسان. ثم الأب كان سببا لإيجاد الولد ، فلا يجوز للولد أن يجعل نفسه سبب إعدامه بالقصد إلى قتله ، إلا أن يضطره إلى ذلك ، فحينئذ يكون الأب هو المكتسب لذلك السبب بمنزلة الجاني على نفسه ، على ما هو الأصل أن الملجأ بمنزلة الآلة للملجىء ، ولهذا لا يحبس الأب بدين الولد ويحبس بنفقته لأنه إذا منع نفقته فقد قصد إتلافه. ثم استدل محمد رحمهالله في الكتاب بما روي : أن حنظلة بن أبي عامر وعبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول رضياللهعنهما استأذنا رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) في قتل أبويهما فنهاهما عن ذلك وعن عمير بن مالك رضياللهعنه قال : قال رجل : يا رسول الله ، إني لقيت أبي في العدو ، فسمعت منه مقالة لك سيئة فقتلته. فسكت رسول الله (صلىاللهعليهوسلم). وفي هذا دليل على أنه لا يستوجب بقتله شيئا إذا قتله لأن النبي (صلىاللهعليهوسلم) لم يأمره بشيء. والسكوت عن البيان بعد تحقق الحاجة إليه لا يجوز. وأول الوجوه أن لا يقصده بالقتل ، ولا يمكنه من الجوع إذا تمكن معه في الصف ، ولكنه يلجئه إلى موضع ويستمسك به حتى يجىء غيره فيقتله. انظر شرح السير الكبير ١ : ١٠٦ ، ١٠٧.
(٢) المجادلة ٥٨ / ٢٢ وتمام الآية : أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضياللهعنهم ورضوا عنه ، أولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون» أما ما يتعلق بأبي عبيدة فقد جاء في أسد الغابة ٣ : ١٢٨ برقم : ٢٧٠٥ : ولما كان أبو عبيدة ببدر يوم الوقعة جعل أبوه يتصدى له ، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلما أكثر أبوه قصده قتله أبو عبيدة فأنزل الله تعالى : «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ ـ