ما بذله صلىاللهعليهوآلهوسلم في سبيل تحقيق ذلك من جانبه :
(أ) : لقد قضى الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم الفترة المكّيّة من حياته الرسالية ـ التي استغرقت ١٣ عاماً كاملة ـ في دعوة المشركين في مكّة ، وما حولها. تلك الدعوة الرفيقة الرحيمة المخلصة التي كانت تقابل بالعناد واللجاج منهم ، وتواجه بالمضايقات وخلق الصعوبات.
وحتّى لو تمكّن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم من إحراز بعض النجاح في مهمّته فإنّ عناد المشركين والوثنيين يجعل تلك النتائج قليلة وضئيلة ... واستمر هذا الحال في مكّة حتّى انتهى إلى محاولة اغتيال الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم والقضاء على حياته الشريفة ـ في فراشه ـ ، وكانت الهجرة المباركة إلى يثرب ( المدينة ).
إنّ تركيز الدعوة في مكّة على الجوانب الاعتقادية لم يسمح بالتكلّم عن القوانين العباديّة والاجتماعيّة ، والسياسيّة ... هذا مضافاً إلى أنّ التحدّث عن هذه الجوانب والمسائل التي تتعلّق بالنظام الاجتماعيّ في ذلك الجوّ الخانق ، ومع تلك العقول البدائيّة ، والنفوس غير المستعدّة ، كان بعيداً عن مقتضى البلاغة ، التي تقتضي أن يكون لكلّ مقام مقال ولكلّ مقال مقام.
لأجل ذلك نجد أنّ الآيات التي نزلت في مكّة تدور ـ في الأغلب ـ حول قضايا التوحيد والمعاد وإبطال الشرك ومقارعة الوثنيّة وغيرها من القضايا الاعتقاديّة الكليّة ، حتّى صار أكثر المفسّرين يعرف الآيات المكّية والمدنيّة ويميّز بينهما بهذا المعيار.
وأمّا في الفترة المدنيّة التي استقبل فيها أهل المدينة رسول الإسلام بحفاوة بالغة وشوق كبير ، فقد تمكّن الرسول الأكرم ـ بعد أن وجد بعض الأجواء المناسبة للتربية والتعليم ـ أن يبيّن للاُمّة بعض أحكام الإسلام ويطبق قسماً منها ، ويعرّف الناس بواجباتهم وحقوقهم ، وما يجب أن يعرفوه من مسائل الحلال والحرام.
غير أنّ حياة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم في المدينة لم تسلم ولم تخل هي أيضاً من مزاحمة