لقد كان المهاجرون والأنصار ـ في ذلك العهد ـ بحكم سبقهم إلى الإيمان بالإسلام بمنزلة وكلاء الاُمّة الإسلاميّة ، فكان ما يختارونه يقرّه الآخرون. ولأجل ذلك ، اعتبر الإمام عليّ عليهالسلام ما يختاره شورى المهاجرين والأنصار ومن يتّفقون عليه للحكم ، حجّةً نافذةً على الآخرين.
ولا بأس بأن نذكر في خاتمة هذا الجواب ، أنّ انتخاب الحاكم الأعلى للدولة كما يمكن أن يتحقّق عن طريق انتخاب الاُمّة مباشرةً ، كذلك يمكن أن يتحقّق عن طريق انتخاب نوّابها للحاكم الأعلى ، ويكون مآل ذلك إلى رأي الاُمّة أيضاً.
ولعلّ ما ذكره الإمام عليّ عليهالسلام كان إشارةً إلى هذا الاُسلوب ... وكأنّ المسلمين في ذلك العصر كانوا ـ لاعتمادهم على المهاجرين والأنصار ـ يعدّونهم نوّاباً لهم ، وإن لم يصرّحوا بذلك لفظاً.
يقول صاحب المنار في شأن هؤلاء المهاجرين والأنصار : ( وقد كانوا ( أي المهاجرين والأنصار ) في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يكونون معه حيث كان ، وكذلك كانوا في المدينة قبل الفتوحات ثمّ تفرّقوا وكانوا يحتاجون إليهم في مبايعة الإمام ( الخليفة ) وفي الشورى وفي السياسة والإدارة والقضاء ... فأمّا المبايعة ، فكانوا يرسلون إلى البعيد من اُمراء الأجناد ، ورؤوس الناس في البلاد من يأخذ بيعتهم ) (١).
ثمّ إنّ استدلال الإمام بشورى المهاجرين والأنصار مع كون إمامته وخلافته منصوصاً عليها من جانب الله سبحانه ، إنّما هو من باب الجدل وإفحام الخصم ، وسيأتيك تفصيل ذلك عند البحث عن نظرية « الشورى أساس الحكم ».
السؤال الثالث :
لمّا كان الاتفاق على شخص واحد أمراً مستحيلاً عادةً ، فعندئذ كيف ينتخب الحاكم الأعلى ؟ هل بتغليب الأكثريّة على الأقليّة ، وذلك مناف لأصالة الحريّة الإنسانيّة
__________________
(١) المنار ٥ : ١٩٥.