وتزوج مصريم من بنات الكهنة امرأة فولدت له أربعة أولاد : قفطريم ، وأشمون ، وصا ، وأثريب ، فكثروا وعمروا الأرض وبورك لهم فيها.
وبنوا مدينة سموها : مانة ـ يعني ثلاثين بلسانهم ـ وهي منف لأن عدة من كان مع مصريم ثلاثين رجلا أصحاب فليمون الكاهن كشفوا عن كنوز ، وأثاروا معادن الذهب والفضة والزبرجد والفيروزج ، والأسباذشم ، ووصفوا لهم عمل الصنعة. فجعل الله أمرها إلى رجل من أهل بيته يقال له : مقيطام ، فكان يعمل الكيمياء في الجبل الشرقي ، فسمي به المقطم.
وعلموهم أيضا صنعة الطلسمات ، وكان قبل ذلك إذا زرعوا زرعا وغرسوا جنة صعد من البحر دوابا تفسده فعملوا الطلسمات فغابت عنهم. وبنوا على عبر البحر مدنا منها : رقودة مكان الإسكندرية ، وجعلوا في وسطها قبة على أساطين من نحاس مذهب ، وموهوا القبة بالذهب ، ونصبوا فوقها مرآة من أخلاط شتى قطرها خمسة أشبار ، وارتفاع القبة مائة ذراع. فكانوا إذا قصدهم عدو ، ألقوا بعمل شعاع من تلك المرآة عليهم ، فتحرقهم ، حتى أتلفها البحر.
والمنار الذي عمله الإسكندر / كان فوقها مرآة يرى منها داخل بلاد الروم. فاحتال عليها بعض ملوكهم فأرسل من أزالها ، وكانت من زجاج مدبر.
ولما حضرت لمصريم الوفاة عمد إلى ابنه : قطيم ، وكان قد قسم مصر بين بنيه ، فجعل لقطريم من قفط إلى أسوان ، ولأشيم من أشمون إلى منف ، ولأثريب الجوف كله ، ولصا من ناحية صا والبحيرة إلى قرب البرقة.
وقال لأخيه : فارق لك من برقة إلى الغرب فهو صاحب أفريقية ، وولده الأفاريق ، وأمر كل واحد أن يبني لنفسه مدينة في موضعه وأمرهم عند موته أن يحفروا له تحت الأرض سربا ، ويفرشوه بالمرمر الأبيض ، ويجعلوا جسده فيه ، فدفنوا معه جميع ما في خزائنه من الذهب والجوهر ، وزبروا عليه أسماء مانعة من الوصول إليه.
فحفروا له سربا طوله مائة وخمسون ذراعا ، وجعلوا في وسطه مجلسا مصفحا بصفائح الذهب وجعلوا له أربعة أبواب على كل باب منها تمثال من ذهب عليه تاج مرصع بالجوهر جالس على كرسي من ذهب قوائمه من زبرجد وزبروا في كل تمثال آيات مانعة وجعلوا جسده في جرن مرمر مصفح بالذهب وزبروا على مجلسه : مات مصريم بن تنصر بن حام بعد سبعمائة عام مضت من أيام الطوفان.
ومات ولم يعبد الأصنام إذ لا هرم ولا سقام ولا هتمام محصنين بأسماء الله العظام أن لا يصل أحد إليه.