فأرسل في طلبه ، ثم لما حضر عنده سأله عنها بما سمع عنه ، فأخبره الخبر. فأرسل معاوية لكعب الأحبار ، فلما حضر قال له معاوية : هل تعرف في الدنيا مدينة مبنية من ذهب وفضة ومعادن؟
قال : نعم ، هي إرم ذات العماد التي بناها شداد بن عاد ، وهي التي وصفها الله تعالى في كتابه. وذلك أن عادا الأول ، وليس هو عاد الذي أرسل إليه هود عليهالسلام ، ولكن إنما كان لعاد الأول ولدين أحدهم اسمه : شديد ، والآخر : شداد ، فهلك عاد ، فبقي ولداه بعده ، وملكا دهرا طويلا ، وقهرا من كان في الدنيا من ملوكها ، وملكها.
فلما مات شديد انفرد شداد بالملك وحده وكان مولعا بقراءة الكتب ، فقرأ (١) في بعضها وصف الجنة وبنائها وأشجارها فدعته نفسه أن يبني مدينة مثلها على وصفها ونعتها عتوا على الله ، وتجبرا ، فأمر ببناء تلك المدينة ، أقام على بنائها ألف قهرمان / تحت يد كل قهرمان ألف صانع.
وكتب إلى من تحت يده من ملوك الدنيا أن يجمعوا ما على وجه الأرض وتحتها من ذهب وفضة ومعادن وفتح هو ما كان لآبائه من كنوز وذخائر حتى لم يدع على وجه الأرض من ذلك شيئا وما تحتها مما وصلت عدتهم إليه ، وكان عدة ملوك الدنيا الذين هم تحت يده مائتان وستون ملكا متوجه ، وهو ملك الدنيا جميعا. وأمر بجوب الأرض إلى أن وقعوا على أرض حسنة نقية من الجبال والأوعار ، وبها عيون سارحة ، وأنهار جارية.
فقدروا أساسها وجعلوه من الجنة اليماني وأقاموا في بنائها مع الجد / والتشمير ثلاثمائة سنة ، وكان عمر شداد تسعمائة سنة. ثم جعل بدائرها سورا عظيما له ألف برج ، وعلى كل برج قصرا عظيما ، وجعلها (٢) سكنا لوزرائه. فلما بلغوا تمام العمل أمر الوزراء بالاهتمام في التحول إليها فمكثوا مع عظيم الاجتهاد لذلك عشر سنين.
وسار شداد بجيشه وخواص مملكته حتى قرب منها ورأى لمعان حيطانها ، وبريق معادنها ، وإذا صيحة من السماء ، فهلكوا جميعا عن آخرهم ولم يبق منهم أحد.
وسيدخلها رجل من المسلمين في أيامك ، وصفته رجل أحمر اللون ، أشقر الشعر ، قصير ، على حاجبه خال وعلى عنقه خال. تذهب له إبل فيخرج في طلبها فيراها ، فيدخلها ، ثم نظر في القاضي فرآه ، فقال : والله هو هذا ، قلت : لما هلك شداد وبلغ الخبر لولده مرتد خالا لأبيه ، وكان استخلفه على حضر موت بعده ، فطلا جسده بالمر
__________________
(١) في المخطوط : قرأ ، وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : وجعلهم ، وهو تحريف.