المراد به الجلوس عليه لكنه يفرش في الشتاء فيقوم مقام رياض الحدائق المونقة بالزهور والرياحين ، منسوج بألوان الحرير وشريط الذهب والفضة ، معمول فيه من المعادن النفيسة واليواقيت الثمينة على صفات ما هو موجود في الأرض من محاسن الزهور والرياحين ، لا يعلم له قيمة وقدرة لملوك الدنيا على عمل مثله.
لما فتح المسلمون مدائن كسرى وجاء خمس مغنمها (١) للمدينة الشريفة لعمر بن الخطاب كان من جملة ذلك سيفه ومنطقته ورايته وقطعة من البساط. هال المسلمون ما رأوه مما عليها من المعادن ولا قدر أحد يقوّم أثمانها بل فرقوها على المسلمين قطعا فناب علي بن أبي طالب رضياللهعنه من السبي القطعة التي وصلت من الخمس فباعها بعشرين ألف دينار.
فلما أفضت الخلافة للرشيد سار لمدائن كسرى ليرى إيوانه ، فلما وصله رأى ما هاله / من تشييد البناء وعظيم ارتفاعه فعزم على هدمه ، وهدم منه شيئا يسيرا ، فكان الإنفاق عليه مال كثير ، فأمسك ثم أرسل إلى يحيى بن خالد البرمكي وكان في سجنه ـ يعني قتل جعفر والبرامكة ـ يأخذوا رأيه في هدمه ، فأرسل إليه أن لا تفعل. فقال الرشيد لمن حضر مجلسه في المدائن الكسروية : إن يحيى إلى الآن في نفسه المجوسية والحنق عليها والمنع لإزالة آثار المجوس.
فهدم ثم عجز ، فترك الهدم ، ثم أرسل ليحيى أيضا يعلمه أن الإنفاق على هذا يتطلب أموالا لا حصر لها. فأجابه : لا يرجع عن هدمه لو أنفق أمواله واستعان بغيرها ولا يرجع عن ذلك.
فعجب الرشيد من تناقض كلامه ، فبعث إليه يسأله عن ذلك.
فأجابه : نعم ، أما ما أشرت به أولا من عدم الهدم ، فإني أردت بقاء الذكر لملة الإسلام وإظهار قوتهم وعظيم هممهم حتى أنه من أهل الأعصار الآتية والقرون المتناسلة يروا مثل هذا البنيان العظيم فيعرفوا مقدار الملك الذي بناه وعظيم همتهم وكثرة جنوده فيقال : إن أمة (٢) قهروا صاحب هذا البناء وأزالوا سلطانه واحتووا على ملكه لأمة عظيمة (٣) القدر شديدة الخطر منيعة البأس.
فلما بدىء في الهدم ثم أرسل لعبده يأخذ رأيه ، فأشرت بالهدم ، وذلك بعد العجز عنه لما أمر بترك الهدم ، فأردت نفي العجز عن ملة الإسلام لئلا يقول من يأتي بالاستقبال
__________________
(١) في هامش المخطوط : غنائمها.
(٢) في المخطوط : أما ، وهو تحريف.
(٣) في المخطوط : عظيم ، وهو تحريف.