وإلى جانب المسجد الأعظم بناء عجيب ووصفه غريب لأنه واسع الفناء ، عظيم البناء ، راسخ في الماء ، شامخ للسماء. تضحك شرافته بالسرور ، ويظهر في بديع أحكامه الفرج يزينه ، والحبور يلمع في العز في جوانبه ونواحيه ، ويتبين لمن تأمله شرف وهمة بانيه ترد فيه دروس المذاهب لضبط علومها ورتب لهم الرواتب لتصل المشتغلين لدقائق مفهومها ، ثم علماء تشغل في النحو ، والمنطق ، والفرائض إلى غير ذلك. لكل فن شيخ مراس حتى علم الحساب والميقات.
وأجرى على (١) العالم والطالب ما يكفيهم في سائر الأوقات ، حتى لا يكون لهم همة غير الاشتغال ، ولا يصرفوا أبدانهم في طلب الكسب للعيال ، وفي داخله مارستان ، وحمام ، ومجالس للإمام والكحالين ، وعدة مكاتب للقراة الأيتام.
فلما طلع شمس السعود في أفقه ، وبزغ بدر الكمال في أعالي سقفه ، صور في قبته مجاري الأفلاك ، ودائرة بالحقائق على ضبط الساعات والدرج والدقائق. فمن ذلك طاقات صغار عليها (٢) أبواب مذهبة كل ما مضى درجة فتح باب وسقط بندقة من فضة ، فلا ينخرم لذلك حساب. وإذا حكمه ساعته ، فتحت تلك الأبواب المفتحة المذهبة ، وعادت ألوانها بيض مفضضة فيعلموا أنه قد مضى ساعة من النهار ، وفي كل ساعة يظهر / من الأبواب ما يدل على عدد ما مضى من الساعات وهو هكذا على الدوام ليلا كان أو نهارا. وهذا الجامع من عجائب الوجود غير أنهم فضلوا محاسن جامع بني أمية عليه قبل حريقه.
روى الشيخ أبو عبد الله محمد الغرناطي : أن ثلمة (٣) المأمون التي فتحها في الهرم غلظ حائطها إحدى عشر حجرا غلظ كل حجر عشرون ذراعا.
فلما دخلوه ، رأوا قبّة مربعة الأسفل مدورة الأعلى كبيرة جدا تحتها بئر عميقة مربعة ، ينزل الإنسان فيها ، فيجد في كل تربيع من البئر بابا يدخل منه إلى دار كبيرة ، أحدها فيها موتى عليهم أكفان كثيرة على كل واحد أزيد من مائة كفن قد بلوا من طول المدة والموتى لم يسقط من شعورهم ولا من أبدانهم شيء ليس فيهم شيخ ، أجسادهم في غاية العظم.
ووجدوا رزمة ثياب كبيرة ملفوفة حزمة واحدة مربوطة بعصائب الحرير الفاخر ففتحوها ، فإذا فيها هدهد ميت ، لم يسقط منه ريشة واحدة.
__________________
(١) في المخطوط : علم ، وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : عليهم ، وهو تحريف.
(٣) في المخطوط : تلمت ، وهو تحريف.