فيها شكوى على الملك نزل عن سريره ووضع التاج عن رأسه ، وساوى خصمه وهما بين يدي المؤيدان ، فإن كان حقا خرج عنها لصاحبها ، وإن كانت باطلا مثّل به ، ونادوا سنة عليه : هذا جزاء من يعيب الملك ظلما.
وإذا فرغ من دعاوى الناس عاد إلى سريره ولبس تاجه. ثم يقبل على جنده وخواصه ويقول : إنما أفعل ذلك وأنصف المظلومين من نفسي لئلا يطمع أحد منكم في ظلم الرعية.
فكانت في ذلك الزمان أحوال الملوك جارية على العدل والإشفاق ، وأحوال / الرعية على العدل والإنصاف.
ومن محاسن العدل :
ما كان يصنع الملك شاه ملك العجم مع أنهم مجوس ، كان ملكا عادلا بلغ من عدله أنه وقف إليه رجلان يتظلمان ، فنزل عن سريره وقال لهما : خذا بيدي واحملاني إلى الوزير.
فامتنعا (١) ، فألزمهما بذلك. فأخذ كل واحد منهما بيد ، ومشى معها ، فبلغ ذلك وزيره نظام الملك ، فخرج للقائه حافيا. فلما رآه انكب على أقدامه يقبلها ، وقال : ما هذا أيها الملك؟
فقال : أنت أحوجتني لمثل هذا ، إنما اتخذتك وزيرا لتدفع (٢) عني مظالم العباد وتأخذ للمظلوم من الظالم ، فإذا أنت لم تفعل هكذا أخذوني أرباب المظالم يوم القيامة للقصاص. فلهذا كانت دولة الفرس [والله](٣) أعلم أعظم الدول ، وملوكهم أعظم الملوك.
وأما كسرى أنو شروان :
فعدله مشهور للناس فمن فحصه (٤) عن العدل وعمارة ملكه به أنه أراد [أن](٥) يختبر مملكته هل العدل عمرها أو الجور أخربها؟. فأظهر التوعك وأسر لحكيمه أنه إذا حضر للسلام مع الأمراء والوزراء والمرازبة ، فيصف للملك دواء يحتاج فيه إلى طوبة من
__________________
(١) في المخطوط : فامتعا ، وهو تحريف.
(٢) قبلها كلمة : الاه ، زائدة على السياق فحذفتها.
(٣) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.
(٤) في المخطوط : فحصاه.
(٥) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.