فلما أتمه وزينه كما أحب وسقفه بالعود الفاخر ، صنع لأبوابه مائة ضبة من ذهب زنة كل واحدة عشرة أرطال. ووضع فيه تابوت موسى وهارون ، ورتب سليمان عليهالسلام في المسجد الأقصى من قرّاء بني إسرائيل عشرة آلاف ، منهم خمسة آلاف لليل وخمسة آلاف يقرؤون نهارا حتى لا تأتي ساعة من ليل أو نهار إلا والله سبحانه وتعالى يعبد فيه.
ولم يزل المسجد الأقصى كذلك حتى خربه بخت نصر ، فإنه خرج إليه في ستمائة ألف راية ، ودخل بيت المقدس بجنوده ووطىء الشام ، وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم كما ذكرناه في حاشية متقدمة عن هذه الحاشية مفصلا.
قال : وكان من بناء داود صلوات الله عليه إلى أن خربه بخت نصر [بعد](١) أربعمائة سنة وأربع وخمسون سنة ، ولم يزل خرابا حتى بناه ملك من ملوك الفرس يقال له : كوشك.
قال البغوي : بناه الكوشك بعد تسعين سنة من تخريب بخت نصر (٢).
ثم غلبت عليه ملوك غسان بتمليك الروم لهم ودخولهم في دين نصرانيتهم إلى أن جاء الله بالإسلام وفتح الشام على يد عمر بن الخطاب.
ولما ملكته الروم قالوا : نحن نبنيه أحسن من بنائه الأول. فبنوا على الصخرة قبة عظيمة على قدر طولها الأول في الارتفاع وزخرفوها بالذهب والفضة.
فلما فرغوا من البناء دخل ـ أي للمسجد الأقصى ـ سبعون ألفا من رهبانهم وشمامستهم ، في أيديهم مباخر الذهب والفضة ، وأشركوا بالله وهم تحت القبة ، فانقلبت عليهم فما خرج منها أحد.
قال : فلما رأى ملك الروم ذلك جمع بطارقته ، وشمامسته ، ورؤساء القوم وقال لهم : ما ترون فيما / وقع من تخريب بنائها؟
فقالوا : نرى أنا لم نرض إلهنا (٣) فلذلك لم يقبل ربنا.
قال : فأمر الملك ببنائه مرة ثانية وأضعفوا النفقة في مصاريف البناء ، ثم دخلوها سبعون ألفا مثل ما دخلوا أول مرة ، وفعلوا كفعلهم في أول مرة ، فلما أشركوا انقلبت عليهم. وفي كل مرة لم يكن الملك معهم ، فلما ماتوا تحتها وسقطت القبة عليهم ، جمع
__________________
(١) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.
(٢) في المخطوط : تحريب بيت بخت نصر ، ولفظ بيت زائد فحذفته.
(٣) كذا رسمت في المخطوط والله أعلم. [لم نرض إلهنا ...] بدلا من : لم نر من إلا هنا ... وبذلك يستقيم المعنى. ويتضح ذلك في سياق النص اللاحق.