فلما فرغ قال : أعندك غير هذا فإني جائع؟
فقلت : نعم. وأتيته بالطعام ، وكان قد استوى ، فأكله.
ثم قال : ائتوني (١) بالطباخين.
فقال : ويلكم ، ما سبب تأخير طعامكم؟
فقالوا : قد استوى.
فقال : أحضروه ، فإني جائع.
فحضر ثلاثون قدرا في غاية العظم فيها ما يكفي جيشا. فلما وضعوه بين يديه أكل منه إلى آخر الناس.
وسبب موته يا أمير [المؤمنين](٢) فيما بعد أن مستوفى ذلك أنه دخل عليه فلاحين معهم أنواعا من الخدمة فرأى من جهة مقعده بغلين محملين ، فقال : ما حمول هؤلاء؟
فقيل : أحدهم بيض مسلوق والآخر تينا.
وكان كلما رفع / السماط من بين يديه وشرعوا يقشروا له البيض والتين ، وهو يأكل بيضة وتينة حتى أفرغوا ما في الحملين ، فانتخم من ذلك ومرض ومات.
ومن غرائب ما وقع لسليمان أمير [المؤمنين](٢) في موته مما تقدم ذكره :
أنه لبس في يوم جمعة لباسا فاخرا عظيما وطلب عمائما كثيرة ، فلم يزل يلبس واحدة بعد واحدة والمرآة في يده إلى أن أعجبته فلبسها ، ثم أخذ بيده محضرة وصعد المنبر وهو ينظر في أعطافه عجبا ، ثم لما عاد من الجامع وقف بين يديه : أعوانه ، وخدمه ، نظر إليهم وإلى نفسه وقال : ـ أنا الملك المهاب ، المنيع الحجاب ، الكريم الوهاب.
ثم لما دخل إلى بعض حجره تمثلت له بعض جواريه ، فقال لها : كيف ترين أمير [المؤمنين]؟
فقالت : أراه منا النّفس ، وقرة العين ، لو لا مقال الشاعر.
فقال : ويلك ، وما مقاله؟
فأنشدت :
__________________
(١) في المخطوط : أتوني ، وهو تحريف.
(٢) هو يسقط لفظ المؤمنين دائما ولفظ رضي الله. ويترك أمير. وعنه وأحسب أن ذلك اختصارا منه إن لم يكن شيعيا.