الحصير ، فلم يجد غير النوى ولم يجد تمرة واحدة (١). فلما وصل إلى أهله حكى ما وقع له ، وكان رجل من مازن حاضرا.
فقال : صف لي هذا الرجل! فوصفه.
فقال : إنه هلال بن أسعد الشاعر ، واعلم أنه لو كان معك عشرة زوارق مملوءة لأكلهن ولكن أحكي لكم ما وقع لنا معه.
وذلك أن أبي لما زوّجني أولم لعرسي فنحر جزورين (٢) عظيمين ، وطبخ طعاما كثيرا ، فأول من قدم علينا هلال فسلّم وجلس ، ثم قال لأبي : أين طعامك؟
فقال : دونك وإياه.
فقام وجلس حول الطعام ، وجعل يأكل من اللحم إلى أن فرغ من الجزورين وأنقى عظمها نقاء بيّنا. ثم التفت نحو الطعام ، فأكله وكان يكفي جيشا. وأكل من الخبز أربعمائة رغيف ، ونحن ننظر ما يفعل ، ولا نقول إلّا خيرا خوفا من هجاء شعره ، وذكرنا بالقبيح بين الناس. ثم لما قام وجد عسا مملوء لبنا ، فقال : ما هذا؟
قلنا : لبنا.
قال : أو أشرب منه؟
قلنا : هو لك ، فافعل ما شئت.
فحمله بيديه ووضع فم القربة في فمه ولم يرفعها وفيها شيء.
ومع هذا كان رجلا شجاعا ، مقداما في الحرب ، له المواقف المشهورة.
ومنهم عمرو [بن] معدي كرب الزبيدي :
دخل على عمر بن الخطاب يوما فقال له عمر : من أين أقبلت يا أبا ثور؟
فقال : من عند سيد بني مخزوم أعظمها هامة ، وأكملها قامة ، وأفضلها حلما ، وأقدمها سلما.
فقال عمر : ومن هذا؟
فقال : سيف الله ورسوله خالد بن الوليد المخزومي.
قال : فأي شيء صنعت عنده؟
قال : أتيته زائرا فدعا لي بفرس لركوبي وتودوا / بعيرا لضيافتي.
__________________
(١) بعدها عبارة : فلم يجد غير النور ، وهي مكررة فحذفتها.
(٢) فوقها في المخطوط كلمة : بعيرين ، بقلم الناسخ.