وسألنا عن حال شاتنا ، وهل أكلت علفها أم لا؟ وكيف حال الأولاد لمرضها وفقد لبنها؟
وكان تحتي لبدة أجلس عليها ، فلما أراد الانصراف أدخل يده تحت اللبدة ، فلما ذهب أخذنا ما وضعه وما زال يعودنا ويسأل عن الشاة حتى تعافت. فكان جملة ما وصلنا به وهو يتفقد الشاة ويسأل عنها في أيام يسيرة ثلاثماية دينار حتى كنا نتمنى أن الشاة لا تبرأ من مرضها.
وقال بعضهم في المعنى :
لم أبك في زمن تبدو إساءته |
|
إلا بكيت عليه حين أفقده |
ولا جزعت على ميت فجعت به |
|
إلا وكنت بسكني القبر أحسده |
ولا دهمت زمانا في تقلبه |
|
إلا وفي زمني قد صرت أحمده |
فهو الزمان الذي فينا بوائقه |
|
عمت نوازله بالصبر نعضده |
وغير ذلك :
مما حكاه الأصمعي أنه قال : دخلت يوما على جعفر الوزير ، فنادمته ، فقال لي : يا أصمعي ، ألك زوجة؟
فقلت : لا.
فقال : ألا تتزوج؟
فقلت : أود ذلك لكن لا ترضى بي النساء؟
فقال : ولم ذلك؟
قلت : لبشاعة المنظر ، وبياض اللحية.
فقال : عزمت أن أهب لك جارية تتسرى بها.
فقبلت يده وقدمه.
فقال لبعض الخدم : ائتني بفلانة.
فخرجت جارية تفوق البدر حسنا كأنما هي من حور الجنة. فلما وقفت بين يديه قال لها : قد وهبتك فامضي معه. فلما علمت صحة المقال ، صرخت وضربت وجهها وقالت : يا سيدي ، أما تتقي الله في أمري ، اقتلني فأموت وأستريح ولا تعذبني بمثل هذا ، أما / تنظر لبشاعة وجهه وقبح منظره وبياض ذقنه ، أمثل هذا يتمتع بمثلي؟ ثم بكت بكاء شديدا. فلما رأى ذلك قال : يا أصمعي ، تأخذ لك مني ألف دينار ثمنها وتتركها؟
فقلت : نعم ، وإن لقيمتها الدنيا وما حوت من مال وزخرف ومتاع. فأمر لي بها فقبضتها.