وقال المأمون :
لا شيء ألذّ من السفر مع السعة في الرزق لأنك تحل في كل يوم محلة لم تحلها قبل ، وتعاشر أناسا لم تعاشرهم من قبل ، وترى عجائب البلدان ، ومحاسن السكان ، وبديع الأقطار ، ومحاسن الآثار ، مما تزداد به فهما ، وتكسب منه علما. وليس بينك وبين بلدك نسبا ، فخيرهم ما أكسبك مالا ، وازداد إليك نوالا ، وأطيبهم ما كنت به ميسورا ، وتعود منه إلى أهلك مسرورا.
والرجل المقيم ببلده كالماء الراكد في محله ، إن تركه استجاد لونه وتغير ، وإن حركة تغير أو تكدر. ومثل المسافر كالسحاب الماطر قوم يرونه رحمة ، وقوم يعدوه نعمة ، فإذا طال مكثه ملوه وسألوا رحيله عنهم فبسطوا أكف الدعاء وقالوا : اللهم حوالينا ولا علينا.
ما قيل في حسن التوكل :
ومما وقع لبعض الناس من حسن التوكل على الله قال : ضاق حالي حتى لم يكن دينارا ولا درهما سوى دارا أسكنها وعبدا يخدمني ولا يمكن بيعهم فشكيت ما بي لصديق لي.
فقال : لم لا تقصد شجرة الكرم فتجني من ثمرها؟
فقلت : ومن هو؟
قال : جعفر الوزير.
فلما كان وقت الظهر كتبت قصيدة وعزمت على الوقوف له بها. فلما دخلت دهليز داره عزت نفسي لعدم عادتي السؤال أحد غير الله. فلما هممت بالعود خطر (١) ببالي شيء اكتبه ، فأخرجت الدواة وكتبت / على بياض الحائط ما ألهمني الله أن أكتبه ، [وهو](٢) هذه الأبيات :
حلفت لا أبتغي رزقا بجهد عنا |
|
يوما ولو حال بي في ذلك الحال |
لم يخلق الله من خلق يضيعه |
|
حقا والغيب للراجين مآل |
ثم رجعت ، وإذا قد أقيمت صلاة الظهر بمدرسة الوزير ، فدخلت المدرسة وخرج الوزير للصلاة ، فقرأ (٣) الخط.
__________________
(١) في المخطوط : خضر ، وهو تحريف.
(٢) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.
(٣) في المخطوط : قرأ ، وهو تحريف.