باب والي خراسان ، فلما وصلنا / وقفنا بالباب ، ودخل وحده. فلم يلبث (١) أن خرج لي حاجب الأمير ، فأذن لي بالدخول ، فدخلت ، فإذا حصين جالس إلى جانبه. فسلمت على الوالي سلاما يليق به فرد سلامه ، ثم أقبل عليه حصين وقال : أصلح الله الأمير ، إن هذا علي بن سويد / سيد فتيان بن وائل ، وابن سيد كهولها ، وأكثر الناس مالا ، وأحسنهم حالا ، وقد تحمل بي على الأمير في حاجة له.
فقال الأمير : حاجة مقضية.
قال : إنه يسألك أن تمد يدك في ماله ، ومراكبه ، ودوابه ، وسلاحه ، ومواشيه. وأن تأخذ ما أحببت من كل ذلك قصدا لصداقتك. وأن يكون كأسوة من يكون مشمولا برعايتك.
فقال الأمير : والله لا فعلت ذلك ، بل نحن أولى بزيادة ماله ونعمه ، فلسنا محتاجون لما سألك فيه ، فقد (٢) صار إكرامه واجب علينا.
فقال ساسان : قد أعفيناك أيها الأمير مما لست تقبله ، ونحن نقبل برك ، ونفتخر بمكارمك.
فقال الأمير : أسألك أن تسأله قبول برنا فإنا نحب أن نرى ذلك متصلا به.
فأقبل ساسان على أبي وقال : إن الأمير لم يزد ما سألته فيه من مالك ، ونعمتك نقصا بك ، ولكن محبة وقصد مودة ، وهو يسألك بفضلك قبول ما يهديه لك ، وأن لا ترد شيئا مما يأمر لك به.
قال : فسكت والدي ، فعند ذلك دعا له بمال جزيل ونعمة عظيمة وخيلا وعبيدا حتى ضاقت الدار بعطائه.
قال : فلما خرجنا من عنده ، قلت : لله درك أبا ساسان ، لقد أريتني من حيلتك عجبا.
قال : امض يا ابن أخي ، فإن عمك أعلم بالناس منك ، اعلم أن الناس أراهم علموا أن معك غرارة من مال محشو لك غرارة مثلها ، وإن علموا أنك فقير أبعدوك وأغلقوا أبوابهم دونك ودون فقرك ، فقد قال بعض ذوي العرفان شعرا :
لا تظهرن الفقر يوما واجتهد |
|
أن تبده يوما وأنت فقير |
فمشي وقم صدرا عريضا شامخا |
|
يصير أمرك بينهن خطير |
فخرج من البصرة فقيرا ، وعاد بمال خيره موفور.
__________________
(١) في المخطوط : لبث ، وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : فقل ، وهو تحريف.