سبي فتزوج بها سليمان عليهالسلام ، وكانت شديدة الحزن على أبيها كثيرة البكاء عليه ، فقال لها : اتركي ما أنت عليه من البكاء والحزن ، وأنا خير لك من أبيك ، وملكي أجل من ملكه ، قالت : صدقت يا نبي الله ، لكن كلما ذكرت الأبوة والشفقة غيرني ذلك ، وجدد عليّ ما ترى ، فتركها على حالها ، ودخل عليها بعض الشياطين ، فصور لها صورة أبيها في مجلسها وقد كان هذا صاحبا لأبيها ، وكان سليمان عليهالسلام قد أسكنها في مكان خصها به بعد أن غرس فيه بدائع الأشجار والأثمار والرياحين ، وأجرى فيه الأنهار (١) ، كل ذلك في قنوات من ذهب ، رأيتها ، وجعل لها حافاتها ـ يعني الأنهار ـ أشجار باسقات ، تغرد على أغصانها الأطيار ، بتغريد اللغات ، مطوقة بالجوهر ، محلاة بالحرير الأبيض والأخضر والأحمر ، على حالة أبيها ، فعمدت إلى صورة أبيها فألبستها الحرير الملون وجعلت على رأسه إكليلا من الجوهر ، وبخرت حوله بدخن العنبر ونثرت عليه من المسك الأزفر ، وفرشت حوله أصناف الطيب والزعفران والرياحين ، وكانت تدخل عليه بكرة وعشية ، ومعها خدمها ، ووصائفها فتسجد له ، فكانت على ذلك أربعين يوما ، ثم اتصل خبرها بآصف بن برخيا وكان قرابة لسليمان [عليهالسلام](٢) وكاتبه ، ومن عنده علم الكتاب. فعند ذلك ، أمر بنصب منبر فرقاه في جمع من بني إسرائيل فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على جميع أنبياء الله تعالى ، ثم شرع في مدحهم واحدا واحدا / ولم يذكر سليمان عليهالسلام فسئل عن ذلك ، فقال : في بيتك من يسجد لغير الله ، ولم يكن سليمان عليهالسلام يعلم بذلك ، فلما سمع كلام آصف دخل على بنت الملك فرأى صورة أبيها فاقشعر لذلك وزجرها وعمد إلى الصنم فكسره وهرب شيطانه ، ثم أمر بحضوره ، فلما شخص إليه حبسه.
قصة الخاتم :
ثم إن الجن أخذت خاتم سليمان فلما فقده خرج عن حالته ، وذهب عن ملكه ، وتغيرت سمته وحيلته حتى أن بني إسرائيل أنكروا معرفته ، وإذا جلس بينهم لا يعرفونه ، فعند ذلك ضاق رحبه وتحير في أمره فسلم الأمر إلى عالم سره ، فالتجأ إلى الله في زوال ما شانه ، وأن يصلح شأنه ، فكان كذلك أربعين يوما بقدر أيام سجودها لأبيها ، ثم بعد ذلك وجد خاتمه ، ورد الله عليه جماله ومملكته ، وتابت بنت الملك وكان ولده منها والقصة مذكورة.
__________________
(١) في المخطوط : والرياحين والأنهار وأجرى فيه الأنهار ، وكلمة الأنهار الأولى زائدة على السياق فحذفتها.
(٢) ما بين المعقوفين زيادة تسليم يقتضيها السياق.