فقال المأمون : ليس هذا بعجب.
فقال الأعرابي : وقد عزمت على الحج في هذا العام.
فقال له : يا أخ العرب الطريق أمامك.
فقال : أطلب الزاد والراحلة.
قال : تلقى ما تريد بالسوق.
فقال الأعرابي : السوق يطلب المال وأنا رجل فقير.
فقال : إن كنت فقيرا فلا يلزمك الحج.
فقال : يا أمير [المؤمنين] ، أنا جئتك أستفتيك أم جئتك أطلب نائلك وبرك؟
قال : فضحك منه المأمون وأمر له بما يكفيه ذهابا وإيابا.
ومما حكاه الأصمعي :
قال : طلبني الرشيد ليلة وقد أرق من نومه فقال لي : حدثني بما وقع لك من الغرائب.
فقلت : يا أمير [المؤمنين] كنت في العام (١) الماضي بالبصرة ، فجاء حرّ شديد وسط النهار وأنا مار في بعض أزقتها ، فدخلت دربا لأستظل فيه ، غير نافذ ، وإذا في صدر الدرب دكة عظيمة وفوقها شباك (٢) من نحاس أصفر ، فجلست على الدكة لأستريح وإذا كلام لطيف من داخل الشباك ، وإذا واحدة تقول : هذا رجل جلس على دكتنا ، وشمائله تنبىء عن فضل وفهم ، فدعوه يحكم بيننا.
وإذا قائل يقول : رضينا.
ففتح الشباك ، وخرج منه معصم أضاء منه الدرب ، وفي يدها ورقة ، ثم قالت : يا سيدي عظم الله شأنك إنّا ثلاث أخوات وقد عملنا (٣) أبياتا من الشعر ، ووضعنا رهانا (٤) ، وقد رضيناك حكما بيننا ، فانظر أيها (٥) الأحسن والأفصح والأغرل ، فاحكم الغالب منا.
قال : فتناولت الورقة وإذا فيها ما كتبوه مما نظموه ، فقرأته وتأملته وطلبت الدواة وكتبت ما ظهر لي الصواب فيه. فكتبت أقول :
__________________
(١) في المخطوط : العامة ، وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : شهاك ، وهو تحريف.
(٣) في المخطوط : علمنا ، وهو تحريف.
(٤) في المخطوط : رهنا ، وهو تحريف.
(٥) في المخطوط : أيهم ، وهو تحريف.