وأعلمه بالقصة فقال يحيى لمن حضر مجلسه : ما نفعل بمن زور خطنا؟
فقال / واحد : نقطع يده.
وقال آخر : يصلب حتى لا يجسر غيره أن يفعل مثل فعله.
وتكلم كل واحد بمثل هذا.
فقال : أف لكم من أناس ، ويحكم ، رجل أناخ عليه الفقر والفاقة فاستحى أن يسألنا بمضي بما يشابه خطنا ليستر فقره منا ويستعير جاهنا فتقولون (١) ما قلتم؟!
ثم كتب لعبد الله من ساعته : إن الرجل جاءك من عندنا والكتاب بخطنا ، فتفضل عليه بما فيه مع ما يناله من برك وخيرك ، وأرسله إلينا مكرما ، فإنا لا نقوم له بجزاء كونه كان سببا لإزالة ما بيننا من الوحشة ، فكتب وكتبنا لك.
فلما وصل القاصد ، وقرأ كتابه طلب الرجل فإذا به من الهم يشبه الموتى.
فقال له : لا بأس عليك ، فقد ظهر صدقك ، وأعطاه ما في الكتاب ورسم له بمائة ألف درهم ، وعشرة رؤوس من الخيل وخلعة ووجهه ليحيى.
فلما دخل أكرمه وأعطاه مثل عطاء عبد الله بن مالك ولم يفاتحه فيما فعل ولم يسأله عنه. فرحم الله الكرام.
هدية الملك الأركن :
أهدى الأركن ملك اللان لكسرى ملك الفرس بهدية عظيمة يطول شرحها ، فمن محاسنها سيف طوله خمسة أشبار كلون النحاس الأحمر يعمل في الحديد كما يعمل القدوم في الخشب. وصحفة (٢) من ياقوت أخضر تسع منّا من الطعام ، وكأسا من الزمرد يسع رطلا من الشراب ، وألف درة لا قيمة لها ، وقنديل من المها فيه ياقوتة حمراء قدر بيضة الحمام إذا علق ذلك القنديل وحوله من الشموع ما لا حد لعدده غلب نوره على تلك الشموع وكساها نوره حمرة باهرة ، ودروعا ورماحا ، ودرقا إلى غير ذلك مما يطول شرحه.
موعظة :
قال ابن حازم الزاهد : إنما بيني وبين الملوك / يوما واحدا أمس مضى عني وعنهم فهم لا يجدون لذته ، وأنا لا أجد شدته.
وأنا وإياهم على وجل من غد ، وما ندري ما الله فاعل فيه.
__________________
(١) في المخطوط : فتقوا. وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : صفحة. وهو تحريف.