فقال : بالله يا أخي ، أقم عندي اليوم لننظر ما يقدر الله سبحانه في أمرك.
فما كان غير ساعة من نهار ، وإذا بغلامي قد أقبل وقال : ببابك بغال بأحمالها ، ومعهم رجل يسأل عنك. وقال : أنا قاصد من الفضل وجعفر.
فقال عبد (١) الله : أرجو أن يكون جاءك خيرهما (٢) فقم.
وأسرعت وإذا ببابي رجل ومعه ورقة مكتوب / فيها : اعلم أنه لما توجهت من عندنا ركبنا للأمير وأعلمناه بحالك ، فأمر لك بمائة ألف درهم.
فقلنا : هذه الدراهم للدين ، فما له ومن أين ينفق؟ فرسم لك بثمانمائة ألف درهم وجهزنا لك من مالنا ألف ألف درهم ، يصير جملة الواصل إليك ألف ألف وتسعمائة ألف درهم. فأصلح بذلك حالك ، واقض دينك وإن عاد لك الفقر ، فاستنجد بنا عليه ، والسلام.
فقضبت ذلك ورجعت وأعلمت عبد الله بن مالك ، فحمد الله ، وسار معي إلى عند الفضل وجعفر ، وقبلت أيديهما فقالا لي : لا ذنب لنا إنما الذنب لك ، كيف لا تعلمنا حالك في بدايته حتى نكون عونك على ريب زمانك؟. فرحم الله الكرام وأسكنهم فسيح الجنان.
ما وقع بين يحيى بن خالد البرمكي وبين عبد الله بن مالك الخزاعي :
[وذلك من] تنافس وعداوة باطنية بسبب تقدمه عند الرشيد حتى كانوا يقولون : إنه يسحره ، فولاه الرشيد مدينة أرمينية.
ثم أن رجلا من أهل الحذق أناخ عليه الفقر من العراقيين ، فعمد إلى تزوير كتاب على لسان يحيى بن خالد لعبد الله بن مالك الخزاعي وتوجه به إلى أرمينية واجتمع بحاجبه ورفع له الكتاب. فدخل به عليه ، فلما قرأه أنكره لعلمه أن يحيى لا يكاتبه لما بينهما ، وتحقق أنه زور ، فأحضر الرجل ، وقال : من أرسلك بهذا؟ ومن كتبه؟
فقال : الوزير يحيى بن خالد. فقال : كذبت ، إن هذا زور ، ثم أمر بالترسيم على الرجل.
وقال : كن كذلك حتى يرد جواب الوزير فإن كنت صادقا قضيت حاجتك كأحسن ما يكون ، وإن كنت كاذبا أمثل بك أقبح مثلة.
ثم جهز قاصده لبغداد ، وبصحبته الكتاب المزور. فلما دخل به القاصد على يحيى
__________________
(١) في المخطوط : عند الله ، وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : خيرهم ، وهو تحريف.