قال : وما العيب؟
قال : مخالطتها لدور السوقة.
فأمر بهدمها ، وبنى في مكان لم يخالطه فيه السوقة.
ومما وقع من كرم خالد بن برمك :
أنه لم يكن له صديق ولا نديم ولا جليس إلا وبنى له دارا لسكنه على حسب مقدار كلامهم وأزواجهم بسراري من ماله ، وجهزهم وأوقف عليهم ما يكفيهم ويزيد عنهم لهم ولأولادهم ونسلهم وعقبهم.
عبرة :
قال : كان بعض أحداث البصرة له كوخ ، يأوي إليه من جريد النخل على شاطىء نهر البصرة ، فكانت تأتيه بعض شباب البصرة يشربون عنده ، فإذا طلع الخمر في رؤوسهم يقولون : غدا تبني كوخك بالآجر والجص حتى يكون كأحسن دار في البصرة ، ثم إذا ذهبوا من عنده لم يفعلوا شيئا. فلما طال مطلهم وأتوا يشربون عنده فلما شربوا قالوا له كعادتهم. فأنشد :
لنا كوخ يهدم كل يوم |
|
ويبنى ثم يصبح هدم خص |
إذا مادت الأقداح قالوا : |
|
غدا يبنى بآجر وجص |
وكيف يشيد البنيان قوم |
|
يلاقون الشقاء بغير ممص |
فعار أن تقولوا قول زور |
|
وسدوا جوع بطن غير خمص |
قال : فلما انصرفوا من عنده لم يعودوا له.
وصية :
لما خرج عبد الله بن طاهر من بغداد متوجها نحو خراسان قال لولده : يا بني ، إن عاشرت أحدا في بغداد فلا تعاشر أحدا غير أحمد بن يوسف الكاتب فإن له مروءة / عظيمة.
فلما ودع أباه وعاد توجه نحو دار أحمد بن يوسف ، فدخل عليه ، فلما طال جلوسه عنده أمر بإحضار الأكل فأكل ، فحضر سماطا لطيفا وألوانا حسنة ، فأكلوا فلما همّ بالانصراف ، فقال له : إن رأى الأمير أن يشرف عبده في غد فليفعل.
فنهض وهو متعجب من وصف أبيه فيه وأراد نصيحته وحط مقداره فلم يترك أميرا ولا قائدا ولا رئيسا إلا وعرفه أنه في دعوة أحمد بن يوسف ، فلما أصبحوا توجهوا نحو دار ابن يوسف.