بالأمور عارفا بما يلزمه من القيام بخدمة موكله ، فالتاجر قد اكتفى بما ضمنه له وكيله ، فاطمأن قلبه ، وجلس في مكانه مستقلا بعبادة ربه لا يتعاطى سببا اكتفى بوكيله وثقته به.
فهذه صفة من توكل على الله سبحانه حق الاتكال لعلمه أن الله ضمن له رزقا لا يدركه بالسعي ولا يفوته بالقعود عن طلبه.
وقد ذكر الله سبحانه في معنى ذلك آيات كثيرة ، وإنما ضعف اليقين أوقعنا فيما نحن فيه.
واعلم وفقك الله :
إن الآخرة لها مراتب / مختلفة كالمتوكلين والمجتهدين.
فالمجتهدين : يأتون بالعبادة بقوة وعزم ، لا يلتفتون إلى صارف يصرفهم عنها.
والمتوكلين : يقصدون الأمور على قوة وبصيرة وكمال يقين.
وطبقة دون ذلك وهم : القصار الهمم ، وهم يترددون في أمورهم ويتحيرون في أحوالهم كالحمار واقف على معلفه ينظر من يأتيه بعلفه ، فأنفسهم قاصرة عن طلب المعالي في طلب الآخرة ، فليسوا كأصحابهم طالبي الآخرة ولا كأصحاب الهمم في طلب الدنيا كالملوك لما طلبت أنفسهم الملك ، بذلوا أنفسهم وأموالهم وجمعهم الجنود.
وكالتجار حين بذلوا الأنفس والأموال في طلب الربح برّا وبحرا. فمن طلب معالي الآخرة اجتهد كأولئك الأولين وأسهر عينه (١) ، وأجاع بطنه ، وشمّر للعبادة ذيلا ، كما قال بعضهم : من طلب نفيسا خاطر بالنفيس.
والقسم الدون : الذين لا همة لهم كالسوقة في حوانيتهم مقيمين قد رضوا بقليل الربح لقصور الهمة عن مشقة السفر في طلب المعالي الدنيوية.
فمن جد وجد ، ومن خمدت همته كان على خطر ما لم يتداركه الله بعفو مغفرته.
واعلم وفقك الله :
أن الأعمال الصالحة ما أفسدها إلا العجب بها والرياء ، فإن الله سبحانه لا يقبل عملا فيه رياء ولا سمعة ونضرب (٢) لذلك مثلا في معناه :
رجلا أهدى الملك عنبا أو رطبا أو ما أشبه ذلك ، وكان القيمة عنه درهم أو دانق ، فلما أهداه للملك ووقع منه موقع القبول فرسم له عوضا عنها دنانير كثيرة وأكرمه حتى أغبطه كثير من الناس.
__________________
(١) في المخطوط : عنه ، وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : نظرب ، وهو تحريف.