أباك قد مات ، وكان عمره في ذلك الوقت تسعمائة وخمسين سنة ، وأتاه جبريل عليهالسلام بكفن وحنوط من الجنة ، وعلّم ولده شيث كيف يغسله وكيف يحنطه ، وكيف يكفنه ، وقال له : هذه سنّة في موتاكم بعده ، ثم صلت عليه الملائكة في أبي قبيس ، ودفن بغار الكنز ، وكانت وفاته يوم / الجمعة ، ومات وقد بلغ ولده ، وولد ولده أربعون ألفا أهل بيته ، ورفعت خيمته وحزنت عليه حواء حزنا شديدا ، وعاشت بعده سنة ، ودفنت إلى جانبه ، بعد أن صلى عليها شيث عليهالسلام.
ذكر من استخلف من بنيه بعده :
لما توفي آدم عليهالسلام أسند وصيته إلى ولده شيث فكان فيه وفي بيته النبوة والدين والعبادة والقيام بحقوق الله تعالى وشرائعه وأنزل الله عليه تسعا وعشرين صحيفة ، وكان مسكنه فوق الجبل ومسكن بني قبيل أسفل الوادي ، وكان عمره تسعمائة وعشر سنين. ودفع وصيته إلى ولده مهليل وفي وقت مهليل بنيت الكعبة ، وكان عمره ثمانمائة وخمسا وتسعين سنة.
وأوصى لولده بردا بن مهليل وعلمه جميع العلوم ، وأخبره بما يحدث في العالم من كتاب يسرّ الملكوت الذي أنزل على آدم عليهالسلام ، وولد لبردا خنوخ ، وهو إدريس عليهالسلام يكون عدو للآله ويكون له شأن عظيم ، وكان المتولي ذلك الوقت مخويل بن غزداء بن قابيل ، ثم أن إبليس جاء إلى مخويل في مملكته وقال له : قد ولد لبرد ولد ـ يعني إدريس ـ عليهالسلام يكون عدوا للآله ، ويكون لهذا الولد شأن عظيم ، فقال : ألك قدرة على منعه عن آلهتنا؟
قال : سأحرص على ذلك.
وأن إدريس عليهالسلام قد وكّل الله به ملائكة يحفظونه من كيد الشيطان وجنوده ، فلما ترعرع إدريس عليهالسلام جعله أبوه خازن الهيكل وعلمه الصحف التي أنزلت على آدم وشيث ، فكان يكثر من درسها ولهذا (١) سمي إدريس ، وكان حريصا على فرائض الله تعالى ونبأه الله تعالى على رأس الأربعين ، ثم أن مخويل أرسل إلى برد ليرسل له ولده ، فامتنع ، فأرسل جيشا في طلبه ، فمنعه منه أعمامه (٢) ، ولم يكن بعد شيث وحي حتى نبأ الله تعالى إدريس عليهالسلام وكان عمر برد سبعمائة وخمسين سنة ، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة ودفع إليه أبوه وصية (٣) جده / وعلومه.
__________________
(١) في المخطوط : وهذا ، والزيادة لضبط السياق.
(٢) في المخطوط : عمامه ، والزيادة لضبط السياق.
(٣) في المخطوط : وصيته ، وهو تحريف.