بينهما ، قال : وما الذي أمرك؟ قال : أدعوكم إلى عبادته. قال : إن لم نفعل؟ قال : الأمر إليه إن شاء أمهلكم ، وإن شاء أهلككم. قال : فاترك ما أنت فيه ، واعتزل عنا بنفسك ، قال : لا أستطيع ذلك ولا سبيل إليه ، فقام (١) بحبسه ، فسلط الله عليه بعض الجبابرة ، فنازعه وحاربه محاربة كثيرة فشغله ذلك عن أمر نوح عليهالسلام ، وعرف أن الذي حصل بخطيئته ، فأمر بإطلاقه ، فعند ذلك صالح الذي كان يحاربه ، فزحف عنه ، وعاد درمسيل إلى ملكه. فلما استقر به الحال ، فكر في أمره مع نوح عليهالسلام ، فأرسل وجوه مملكته إلى ملوك الأرض لجمع الكهان ومناظرته فشخصوا إليه من الآفاق فخرج إليهم ، وناظرهم ، فأظهره الله عليهم ، فآمن به فليمون ، وكان رأس كهان مصر ورائسهم ، وآمن به أهله وأتباعه ، وركب معه السفينة ، وتزوج من أهله وأوحى الله تعالى إليه : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) [هود : ٣٦] فعند ذلك يئس منهم ، ودعا عليهم ، فانقطع نسلهم ، وقحطوا وجدبوا / وبطلت عمائرهم ، وخربت ديارهم وبلادهم.
بناء السفينة :
ثم أن الله تعالى أوحى إليه : (أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) [هود : ٣٧] ، وأخبره جبريل عليهالسلام أن يبنيه على مثال صدر الدجاج ، فجمع احتياجاتها وأقام في عمارتها عشر سنين ، وجعلها من ساج ، وعمل طولها ثلاث مائة ذراع وارتفاعها من الأرض خمسين ذراعا ، وجعلها ثلاث طبقات ، وجعل في جانبها بابا ، وأقامت (٢) على الأرض بعد فراغها تسعة أشهر فكان قومه يمرون به ويرون السفينة فيضحكون منها وأخذوا ممن آمن به ثلاث نفر ، وقربوهم لآلهتهم فعند ذلك حقت عليهم كلمة العذاب وجاءهم من كل مكان ، وأمر الله تعالى نوحا أن يحمل معه في السفينة من كل زوجين اثنين ، قال : يا رب ، وكيف لي بجمع ذلك؟ فأمر (٣) الله تعالى الرياح فجمعت له ذلك كله. فجعل في الطبق الأول : الدواب ، وسائر الوحوش والهوام والطيور.
وجعل في الطبق الثاني : طعامهم وشرابهم. وحمل معه جسد آدم عليهالسلام في تابوت. وجعل في الطبقة العليا أهله وولده ومن آمن معه ، قيل أنهم كانوا أربعون رجلا ، وأربعون امرأة ، فصار الجميع في السفينة ، فاتصل الخبر للملك فضحك منه ، وقال : أين الماء الذي تسير فيه السفينة ، ثم ركب في نفر من أرباب دولته ودخلوا بيت أصنامهم فقعدوا ساعة ، ثم خرج وقد عزم على إحراق السفينة ومن فيها ، فجاء إليها فوجد رعبا
__________________
(١) في المخطوط : قام ، والزيادة لتوضيح السياق.
(٢) في المخطوط : أقامه ، وهو تحريف.
(٣) في المخطوط : فأمره ، والهاء زائدة ، فحذفتها.