وأرسل الله تعالى هودا إلى قبائل عاد :
وهم بالأحقاف أحقاف الرمل وملكهم الخلجان بن الوهم ، وكانوا يعبدون أصناما لهم فكذبوا هودا عليهالسلام ، فدعا عليهم ، فأمسك الله تعالى عليهم المطر ثلاث سنين ، فأجدبهم ذلك ووجهوا إلى مكة جماعة استسقوا لهم في الحرم. ولم تزل الأمم تعظ البيت ، وكان موضعهم بعد الطوفان ربوة حمراء ، وأهلهم العماليق ، وسيدهم معاوية بن بكر ، وكان في الرّفد الذين توجهوا للاستسقاء : قيل بن غزر ، وزيد بن سعد ، ولقيم بن هزال ، ولقمان بن عاد ، فنزلوا على معاوية بن بكر بمكة ، فأقاموا عنده شهرا يأكلون ويشربون ، والجرادتان تغنيان لهم ، وهما قينتان كانتا لمعاوية ، فلما طال أمرهم أشفق عليهم معاوية لأنهم أخواله فخاف عليهم الهلاك / فعمل شعرا وأمر الجرادتان فقالتاه (١) :
ألا يا قيل ويحك قم فهيم |
|
لعل الله يسقيكوا غماما |
فتسقى أرض عاد إن عادا |
|
قد أصبحوا ما ينبسون الكلاما |
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم |
|
نهاركم وليلكم تماما |
فقبح وفدكم من وفد قوم |
|
ولا ألقوا التحية والسلاما |
فلما سمع القوم ذلك انتبهوا واستسقوا ، فنشأ لهم ثلاث سحابات على ألوان مختلفة : بيضاء ، وحمراء ، وسوداء ، ونودي قيل : اختر لقومك ، فقال : أما البيضاء : فإنها جهام قد أفرغت ماؤها ، والحمراء : ريح ، والسوداء : غيث ، فاختار السوداء. فنودوا : قد اخترت رمادا لا يبقي من عاد أحدا لا والدا منها ولا ولدا.
ودخلت الريح على عاد من واديهم ، فأقامت سبع ليال وثمانية أيام حسوما أي دائمة ، حتى هلكوا ، فلما انصرف الوفد من الاستسقاء نودوا : إن عادا قد هلكت فاختاروا لأنفسكم ، فاختار قيل أن يلحق بقومه ، فأقلته (٢) الريح فأهلكته ، واختار زيد برا وصدقا فأعطي ذلك لأنه كان مؤمنا بهود عليهالسلام ، واختار لقيم حياة ألف سنة ، لا يمرض ولا يهرم ، فأعطي ، واختار لقمان بن عاد عمر سبع أنسر ، فأعطي ، فكان يأخذ النسر صغيرا فيربيه حتى يهلك ، فيأخذ عمره وكان آخرها لبد (٣). فضربت العرب به الأمثال ، قال الأعشى :
أو لم تر لقمان قد أهلكه |
|
ما قتات من سنة وشهر |
__________________
(١) في المخطوط : فقالاه ، وهو سهو.
(٢) في المخطوط : فاقتله ، وهو تحريف.
(٣) في المخطوط : لبلد ، وهو تحريف ، والمثل مشهور في موسوعة الأمثال التي قمت بتأليفها وهو : جاء أجل على لبد ، وأخنى عليها الذي أخنى على لبد وغير ذلك من الأمثال.