وكانت تلك المدينة تكسى من نورها وضوئها بياضا وخضرا ، وصفرا ، وزرقا وحمرا. وجعل حول المنارة ماءا كثيرا وولد فيه السمك وجعل الطلسمات حول المدينة من كل صنف تمنع المضار عنها ، وتسمى مدينة البؤس ـ يريد الشجر ـ وكانت فيه الشجر منصوبة على جبل بجانبها.
ومن عجائب الغرائب صا الملك
قال صاحب التاريخ : لما قسم تقطيم الأرض بينه وبين أخوته أشمون وأثريب وقفط ، خرج صا بأهله وولده وحشمه إلى حيرة ، وهو بلد البحيرة والإسكندرية حتى ينتهي برقة فنزل مدينة صا قبل أن تبنى الإسكندرية ، فلما ملك حيزة أمر بالعمارة ، وبناء المدينة وإظهار (١) العجائب فأول شيء بنى مدينة مهندسة من حد مدينة صا إلى لوبيه ومراقية ، ثم جعل على عبر البحر أعلاما وجعل على / رؤوس الأعلام مرائي من أخلاط شتى ، فكان منها ما يمنع من دواب البحر ، ومنها ما إذا قصدهم عدد من الجزائر الداخلة أحرقها شعاع الشمس ، ومنها ما يرى فيها أعداءهم في بلادهم ، وما يعملون فيها ويهيئون ، ومنها ما ينظر فيها إقليم مصر فيعلم ما يخصب فيها وما يجدب منها كل سنة. وجعل فيها حمامات توقد من نفسها. وعمل متنزهات ، ومستشرفات ، فكان كل يوم في موضع منها بمن يخصه من الحشم والخدم ، وجعل حولها بساتين محدقة ، وسرح فيها الطيور المغردة ، والوحوش المستأمنة ، والأزهار المطردة ، والرياض المونقة والمرائي المشوقة. وجعل شرف قصورها من حجارة ملونة تلمع لمعانا وبريقا إذا طلعت الشمس عليها ينعكس شعاعها على ما حولها ، ولم يدع شيئا من آلة النعمة والرفاهية إلا وقد استحكمه في هذه المدينة وكانت العمارة في رمال رشيد والإسكندرية ممتدة إلى برقة ، وكان المسافر في أرض مصر لا يحتاج إلى زاد لكثرة الفواكه والخيرات ، ولا يسير فيها إلا في ظلال الأشجار. وجعل في تلك الصحارى قصورا وغرس فيها غروسا وساق إليها من ماء النيل أنهارا فكان الناس يسلكون في الجانب الغربي إلى حد المغرب في عمارة متصلة.
فلما تمادى الزمان ، وتعاقب الحدثان أباد الموت أهلها وتغيرت أحوالها وخربت ديارهم ، فلم يبق منها إلا الرسوم والخراب وكل ما على التراب تراب.
ومن عجائب الغرائب ... (٢) الكاهنة :
في مصاحف القبط أنها كانت تجلس في عريش النار ، فبماذا احتكم إليها أحد ،
__________________
(١) في هامش المخطوط : وأظهر.
(٢) لم أتبين اسم تلك الكاهنة حيث كتب بالمداد الأحمر الذي انمحى من المخطوط فوضعت مكانه نقط.