لما طغى بعضهم على بعض ، وتحاسدوا وتغلب عليهم بنو قابيل تحمل عليهم طقراوش الجبارين مصريم في نيف وسبعين رجلا من بني عرناب ، كلهم جبابرة / يطلبون موضعا ينقطعون فيه.
فلما نزلوا على النيل ورأوا سعة البلد ، وحسنها ، أقاموا فيها وبنوا ، وقالوا : هذه بلد عمارة ، وزرع ، وسماها باسم أبيه : مصريم.
وكان نقراوس جبارا له يد وبطش ، وكان كاهنا عالما ، فملك بني أبيه ، ولم يزل مطاعا فيهم ، فهو وبنوه الجبابرة الذين بنوا الأعلام وأقاموا الأساطين العظام ، وعملوا المصانع ووضعوا الطلسمات ، واستخرجوا المعادن وقهروا من ناوأهم من الملوك ـ أي ملوك الأرض ـ ولم يطمع فيهم طامع.
وكل علم جليل في أيدي المصريين إنما هو من فضل أولئك كانت مرموزة على الحجارة ففسروها ، وتعلموا كتابتهم من فليمون الذي آمن بنوح عليهالسلام. ولما توطنوا واستقروا ، أمرهم نقراوس فبنى مدينة سموها : أمسوس ، قطعوا لها صم الصخور ، وأثاروا معادن الرصاص فعمروها وأحكموها ، وأقاموا بها أعلاما ، طول كل علم مائة ذراع ، وزرعوا وغرسوا ، وعمروا الأرض. ثم أمرهم بعمارة المدائن والقرى فلما (١) انتهت أسكنها ، جعل كل بيت في ناحية من أرض مصر وحفروا النيل حتى جروا ماءه إليهم ، ولم يكن قبل ذلك معتدل الحفر إنما كان ينبطح ويتعرج في الأرض. ثم وجه إلى بلد النوبة جماعة حتى هندسوه ، وشقوا منه أنهارا إلى مواضع كثيرة من مدنهم التي بنوها. وشقوا نهرا عظيما إلى مدينتهم أمسوس ، يجري في وسطها وغرسوا غروسا ، وكثرت أرزاقهم ، وعمرت بلادهم.
لكن تجبر عليهم نقراوس ملكهم وعظيمهم ، ثم أنه بعد مائة وعشرين سنة من ملكه أمر بإقامة الأساطين وزبر عليها ذكر دخوله البلد ، ومحاربته الأمم.
وأمر ببناء قبة على أساطين عظام مثبتة برصاص ، وارتفاعها مائة ذراع وجعل على رأسها مرآة من زبرجد أخضر قطرها سبعة أشبار ، ترى خضرتها على أمد بعيد ، وفي مصاحف المصريين : أن نقراوس / سأل الرئي الذي كان معه أن يريه مخرج النيل فحمله حتى أجلسه على جبل القمر خلف خط الاستواء ، فوق البحر الأسود ، وأراه النيل كيف يجري فوق ذلك البحر الزفتي مثل الخيوط حتى يدخل تحت جبل القمر ، ثم يخرج إلى بطائح هناك.
وهو الذي عمل بيت التماثيل هناك ، وعمل هيكلا للشمس ، ثم رجع إلى أمسوس ،
__________________
(١) جاءت العبارة في المخطوط على النحو التالي : فلما أسكنت انتهت اسكنها ، فحذفت الزائد منها.