ولو قبلنا : أنهم فعلوا ذلك ، فإنه «صلى الله عليه وآله» إذا كان يعلم أن في هذا الحكم مصلحة ، فإنه يأنس به ، ويرتاح له ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، ولذا فهو لا يغتم لتعيير أحد.
ويمكن الجواب عن ذلك : أنه يمكن أن يكون «صلى الله عليه وآله» يرى : أن ذلك يهييء الفرصة لأعداء الإسلام لفتنة المؤمنين عن دينهم ، وصد غيرهم عن التوجه إليه ، والدخول فيه ؛ فهو حينئذ يغتم ويهتم لذلك. وينتظر الإذن من الله بتحويل القبلة لتفويت الفرصة على أعدائه ، الذين سوف لن يدعوه وشأنه ، والذين يعيشون في المتناقضات ، فإذا صلى إلى قبلتهم عيروه ، وإذا تحول عنها ، فسيقول السفهاء من الناس : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. وهذه هي طبيعة الإنسان الذي لا يرى نفسه مسؤولا عن مواقفه وحركاته وكلماته ، ولا ينطلق في مواقفه إلا من موقع السفه ، وعدم التثبت.
البراء بن معرور لم يصل لغير الكعبة :
ويذكر هنا : أن البراء بن معرور خرج في سفر مع بعض قومه ، فقال لهم : «يا هؤلاء ، قد رأيت ألا أدع هذه البنية (يعني الكعبة) مني بظهر ، وأن أصلي إليها».
فقالوا له : والله ، ما بلغنا : أن نبينا يصلي إلا إلى الشام ، وما نريد أن نخالفه.
فأصر البراء على الصلاة إلى الكعبة ، فكان يصلي إليها ، وهم يصلون إلى الشام ، حتى قدموا مكة ، فسأل النبي «صلى الله عليه وآله» عن ذلك ، فقال «صلى الله عليه وآله» : «لقد كنت على قبلة لو صبرت عليها».