أصبحت تعتبر حربها مع النبي والمسلمين حربا مصيرية ، ومعركتها معه معركة حياة أو موت. ولم يكن ذلك ليخفى على النبي «صلى الله عليه وآله» ، فكان دائما على استعداد لكل طارئ ، ويتتبع كل تحركات العدو بدقة متناهية ، وقد طوقهم من جميع الجهات تقريبا.
ويكفي أن نذكر هنا قول صفوان بن أمية لقريش : «إن محمدا وأصحابه قد عوروا علينا متجرنا ؛ فما ندري كيف نصنع بأصحابه؟ وهم لا يبرحون الساحل. وأهل الساحل قد وادعوهم ؛ فما ندري أين نسكن. وإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رؤوس أموالنا ، فلم يكن لنا بقاء. وحياتنا بمكة تقوم على التجارة إلى الشام في الصيف ، والى الحبشة في الشتاء» (١).
و : مناقشة قضية دعثور :
وأما قصة دعثور مع الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» ؛ فإننا وإن كنا لا نستبعد وقوعها ..
ولكن قولهم : إن آية : (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ ..)(٢) قد نزلت في هذه المناسبة ، لا يصح. وذلك :
أولا : إنه إذا كان المراد : أن الآية قد نزلت مباشرة حين وقوع قضية دعثور ، كما هو ظاهر التفريع بالفاء.
فيرد عليه : أن الآية في سورة المائدة ، وهي قد نزلت في أواخر حياته «صلى الله عليه وآله» مرة واحدة.
__________________
(١) مغازي الواقدي ج ١ ص ١٩٧.
(٢) الآية ١١ من سورة المائدة.