وقفات مع ما تقدم :
ألف : الأعمى والقضاء :
بالنسبة لاستخلاف ابن أم مكتوم على المدينة في غزوة بني سليم ، وغيرها : نشير إلى ما ذكره البعض من أن رواية أبي داود تقول : إنه إنما استخلفه على الصلاة ؛ لأنه ضرير ، لا يجوز له الحكم بين الناس في القضايا والأحكام ؛ لأنه لا يدرك الأشخاص ، ولا يثبت الأعيان ، ولا يدري لمن الحكم ، وعلى من يحكم (١).
ولكننا لا نرتضي هذا الكلام : وذلك لما يلي :
١ ـ إن تولي ابن أم مكتوم للمدينة لا يعني إصداره الأحكام وتوليه منصب القضاء ، لأن من الممكن حل مشاكل الناس بطريقة الصلح بين المتخاصمين ، أو على أن يكون قاضي تحكيم يرضى بحكمه الخصمان ، خصوصا بملاحظة قصر فترة غيابه «صلى الله عليه وآله» عن المدينة في سفراته تلك ، أو بأن يوكل من له صلاحية القضاء بين الناس ، ويكون هو الوالي العام الحافظ للنظام ، والمنفذ لتلك الأحكام.
٢ ـ إن القول بأن المراد من تولي ابن أم مكتوم المدينة من قبل النبي «صلى الله عليه وآله» هو توليه خصوص الصلاة بعيد جدا ، وهو لا ينسجم مع إطلاق عباراتهم ، مثل قولهم : (إستخلفه على المدينة) أو (ولاه المدينة) أو نحو ذلك ، خصوصا إذا لاحظنا : أنه «صلى الله عليه وآله» قد استخلفه
__________________
(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٠٥.