قادر على فعل المعصية تكوينا ، بل هي بمعنى أنها لا تصدر منه ، وعلى حسب التعبير العلمي : إنه لا يكون فيه مقتضي للمعصية ، ولا توجد فيه علتها المؤثرة ، بل لا يخطر في باله ارتكابها أصلا ، فيستحيل صدورها منه بهذا المعنى ليس إلا.
وهذا كما نقول : يستحيل أن يرمي الطفل نفسه في النار فإنه ليس بمعنى أنه لا يمكنه ذلك ، لأن ذلك مقدور له بالبداهة ؛ ولكن بمعنى أنه لا يفعل ذلك ولا يقدم عليه أصلا.
وكما نقول : يستحيل أن يصدر الظلم من الله ، ولا نقصد : أنه لا يقدر عليه ، إذ لا شك في أن الله تعالى يقدر على تعذيب أطوع الناس له.
وإنما نقصد أنه لا يفعله ؛ لأنه ينافي حكمته ، ولا ينسجم ولا يليق بشأنه وذاته تعالى شأنه.
وبعد كل ما تقدم ، فإن اختيار الله لبعض عباده ، وإظهار المعجزة على يده ، يكشف لنا عن أكمليته وعن عصمته ، إذ لا يعقل أن يختار الله لقيادة الأمة وهدايتها من تصدر منه الذنوب والمعاصي ، حسبما أشرنا إليه.
أفضل الخلق محمد صلّى الله عليه وآله :
ومما قدمناه نستطيع أن نفهم لماذا كان نبينا «صلوات الله وسلامه عليه» أفضل الخلق أجمعين ، حتى الأنبياء والمرسلين ؛ فإنه ، وإن كان الكل معصومين عن الذنوب ، وكلهم كان يدرك آثار الذنوب وعواقبها وآثارها ، ولهم معرفة واطلاع على جلال وعظمة وملكوت الله تعالى أكثر من غيرهم ، ولكن نبينا الأكرم «صلى الله عليه وآله» كان أكثر عمقا وأصالة في إدراكه