فرجع البراء إلى قبلة النبي «صلى الله عليه وآله» ، فصلى إلى الشام ، وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات.
ولما حضره الموت أوصى أن يدفن ، وتستقبل به الكعبة ، ففعلوا. وكانت وفاته في صفر قبل قدوم النبي «صلى الله عليه وآله» المدينة مهاجرا بشهر (١).
ملاحظة :
ونحن نلاحظ هنا : أنه «صلى الله عليه وآله» لم يحكم ببطلان عمل البراء ، ولا لامه على ما فعله ، ولا أمره بالصلاة إلى جهة الشام ، غاية ما هناك أنه أعلمه أنه قد استعجل الأمر.
وقد يستفاد من هذا : أن موافقة الحكم الإنشائي مقبولة إلى حد ما ، ومجزية أيضا ، بل يمكن أن يدعى أن النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه كان يمتثل هذا الحكم الإنشائي ، فكان يتوجه إلى بيت المقدس ، جاعلا الكعبة بين يديه ، ثم في المدينة نسخ الاتجاه إلى بيت المقدس من الأساس ، بجميع مراتبه ، ولم يكن يمكن استقبال الكعبة وبيت المقدس معا ، فلم يكن ثمة خيار في ترك بيت المقدس ، إلى الكعبة.
إلا أن يقال : إنه ليس في المقام حكم إنشائي ، بالنسبة إلى الكعبة ، بل كان الحكم بالتوجه إليها فعليّا ، إما على نحو التشريك مع لزوم التوجه إلى بيت المقدس حيث لا مندوحة ، وإما على نحو التخيير كذلك أيضا لمصلحة وقتية في ذلك.
__________________
(١) أسد الغابة ج ١ ص ١٧٣ و١٧٤ ، والإستيعاب هامش الإصابة ج ١ ص ١٣٦ و١٣٧ ، وقاموس الرجال ج ٢ ص ١٦٠ و١٦٧.