تأويلات موهونة :
وأجاب البعض عن هذا : بأن النبي إنما ترك الإنكار على ابن حضير ، لأنه إنما قال ذلك مبالغة في زجر سعد ، وعلى سبيل الغيظ والحنق.
وهذا الجواب لا يصح ، لأن المنكر الذي صدر من أسيد ، هو منكر على أي حال ، سواء صدر منه على جهة الغيظ ، أو لأجل الزجر ، ولا يخرجه ذلك عن كونه قذفا بأمر فظيع ، وخطير جدا ، ومعصية عظمى.
وقد اعتذر ابن التين ـ وحسّنه العسقلاني ـ : بأن مقصود عائشة : أنه لم يتقدم منه الوقوف مع أنفة الحمية (١).
وهو كلام فارغ .. فإن ذلك يعني : أن سعدا قد وقف هنا مع أنفة الحمية ، وأن ذلك لم يصدر منه قبل هذا.
ومن الواضح : أن هذا يكفي مبررا للطعن في صلاحه ، ولا سيما إذا كان هذا الوقوف يجر إلى إيذاء رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، والنيل من كرامته وشرفه ، ويؤدي إلى النزاع بين الأوس والخزرج.
هذا كله بالإضافة إلى : أن ابن معاذ لم يتكلم بما يثير الحمية الجاهلية عند ابن عبادة!!
وأما توجيه كلام أسيد تارة : بأن سعدا أراد أن يصنع صنيع المنافقين ، لا أنه منافق بالفعل ، وأخرى ـ كما يقول المازري ـ : بأنه ليس المراد : نفاق الكفر ، بل المراد ، أنه كان يظهر المودة للأوس ، ثم ظهر عدمه ،
أما هذه التوجيهات ، فهي أيضا لا يمكن أن تكون مقبولة .. وذلك لبعدها
__________________
(١) فتح الباري ج ٨ ص ٣٦٢.