ولكن لماذا لم يجلد ابن أبي ، مع أنه هو الذي تولى كبر الإفك ، حسبما ذكرته روايات كثيرة؟! وكيف جاز لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» أن يعطل الحد الشرعي الثابت عليه؟!
واعتذر البعض عن ذلك : بأن قبيلته كانت تمنعه بحيث لو أراد النبي «صلىاللهعليهوآله» أن يحده للزم فساد كبير.
ولكن كل ذلك لا يجدي ؛ إذ ما الفرق بين حسان ، وابن أبي؟ فابن أبي خزرجي ، وكذلك حسان ، فلماذا لا يمنع الخزرج حسانا شاعرهم ، ولسانهم ، كما منعوا ابن أبي؟! أم يعقل أنهم يمنعون المنافق ، ولا يمنعون المسلم؟!. وقد تلاوموا على أخذهم صفوان بن المعطل ، عندما كسع حسانا بالسيف ، بدون إذن النبي «صلىاللهعليهوآله» لهم في أخذه .. فلماذا إذن ، يمنعون النبي «صلىاللهعليهوآله» من إقامة حدّ من حدود الله تعالى .. ولا سيما في قضية ترتبط بناموس وشرف هذا النبي «صلىاللهعليهوآله» نفسه؟!!
واعتذر الحلبي بعذر آخر ، حيث قال : «الحد كفارة ، وليس من أهلها ، وقيل : لم تقم عليه البينة بخلاف أولئك ، وقيل : لأنه كان لا يأتي بذلك على أنه من عنده ، بل على لسان غيره» (١).
وهو اعتذار عجيب وغريب ، فإن الحدود لا تعطل بحجة الأهلية وعدمها .. ولا ورد في تشريع الحدود تقييد من هذا القبيل.
وأما عن البينة فنقول : كيف لم تقم عليه البينة ، وهم يقولون : إنه هو الذي تولى كبر الإفك ، أي معظمه؟! ومن ينص القرآن على أنه قد تولى كبره
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠٥.