وأمّا الذي وجد فيه القرينة من الأخبار ، فأمره واضح ، مثل : الأخبار الواردة في أنّ العاري يصلّي قائما ويومي ، والأخبار الواردة في أنّه يصلّي قاعدا ، فالمشهور أنّ الأخبار الأوّلة محمولة على الأمن من المطّلع ، والثاني على العدم ، وبهذا التفصيل رواية صحيحة كالمخصّص لكليهما وهي قرينة لذلك الحمل.
وأمّا مطلق الحمل كيفما اتّفق كما يذهب إليه بعض من أفرط في التأويل (١) ، فلا دليل عليه ، مثل : إنّ بعضهم إذا رأى خبرا ورد بلفظ الأمر وآخر بلفظ النّهي في ذلك بعينه ، فيجعل الأمر بمعنى الإذن والنهي بمعنى مطلق المرجوحيّة ويثبت بذلك الكراهة ، وهو خارج عن مدلول كليهما ، فإذا لم يكن قرينة على ذلك حاليّة أو مقاليّة ، فلا يجوز ذلك بمجرّد انّه جمع بين الدليلين ، ولا يكون عملا بكلام الشّارع لا بحقيقته ولا مجازه ، أمّا الحقيقة فظاهر ، وأمّا المجاز ، فلأنّ المجاز هو المعنى الذي أفهمه القرينة ، وهو مسبوق بوجود القرينة والعلم بها ، ومجرّد احتمال وجود قرينة توجب فهم المخاطبين المشافهين ، كذلك (٢) لا يجوز الحكم بإرادة ذلك ، ولا يورث الظنّ بإرادة ذلك. فهذا ممّا لا يمكن فيه الجمع والعمل بالدليلين ولا بدّ من التخيير بعد اليأس عن الترجيح ، مع أنّ هذا ليس عملا بالدّليل ، بل هو ذكر احتمال في معنى الدّليل.
فالتحقيق في جواب حجّة الخصم منع كون المفهوم أضعف من العامّ المنطوق مطلقا ، سيّما مع غلبة تخصيص العمومات وشيوعه ، ومع التساوي (٣) فيحمل العامّ
__________________
(١) راجع الفائدة الثالثة والعشرين من «الفوائد» : ص ٢٣٤ للوحيد البهبهاني فإنّ فيها فوائد في مقام التأويل.
(٢) أي بالتجوّز.
(٣) أي إذا ثبت التساوي لا أقلّ فهو في محل دفع ما يقال من أنّ مجرّد عدم الأضعفيّة لا ينفع إلّا في مقام ذكر التفصيل.