فإن قلت (١) : إنّ الأخبار الكثيرة وردت بأنّ الخبر المخالف لكتاب الله يجب طرحه وضربه على الجدار ونحو ذلك (٢) ، فكيف يصحّ الخروج عن ظاهر الكتاب بخبر الواحد.
قلت : تلك الأخبار مختلفة متعارضة ، معارضة بمثلها أو بأقوى منها ، من تقديم العرض على مذهب العامّة والأخذ بما خالفهم ونحو ذلك ، فهي على إطلاقها غير معمول بها ، مع أنّ الظاهر من المخالفة هو رفع حكم الكتاب كليّا وإن كان يتحقّق بسلب البعض أيضا.
سلّمنا ، لكنّها مخصّصة بذلك ، لمعارضتها بما هو أقوى منها من الأدلّة الدالّة على حجيّة خبر الواحد مطلقا ، وما دلّ على جواز تخصيص الكتاب به من الأدلّة أيضا ، إذ قد عرفت أنّ الخاص إنّما يقدّم على العامّ مع المقاومة ، مع أنّ من جملة أدلّة حجّية خبر الواحد هو قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...)(٣) الخ. وآية النفر (٤) ، (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ.)(٥) والعمل بهذه الأخبار يوجب تخصيصها ، وهو كرّ على ما فررت منه.
وممّا ذكرنا (٦) ، يظهر بطلان ما قيل في هذا المقام أيضا من أنّ تخصيص
__________________
(١) راجع حاشية السلطان على «المعالم» : ص ٣٠١.
(٢) كقوله صلىاللهعليهوآله : إذا ورد عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه.
(٣) الحجرات : ٤٩.
(٤) (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة : ١٢٢.
(٥) الحشر : ٧.
(٦) من لزوم تخصيص تلك الأخبار بالصورة المذكورة لعدم المقاومة للعمومات ـ